المنطقة على صفيح ساخن، والأمور تتجه نحو منحًى تصعيدي. وللبحث في هذا المشهد، استضافت الإعلامية مريم سليمان عبر فضائية ‘فلسطيننا’ الباحث والمحلل السياسي، ومدير مركز ثبات للأبحاث واستطلاعات الرأي، الأستاذ جهاد حرب.
بدايةً أكد جهاد حرب أن العملية العسكرية التي يشنّها جيش الاحتلال ضد إيران تفتح الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة لمسار التصعيد.
السيناريو الأول: يقتصر على تبادل الضربات التقليدية، كالغارات الجوية الإسرائيلية وردّ إيران بصواريخ باليستية متوسطة أو بعيدة المدى، دون تصعيد نوعي يشمل اغتيالات سياسية أو توسيع دائرة العمليات، كما حدث سابقًا باغتيال قيادات عسكرية إيرانية بارزة.
السيناريو الثاني: يتمثل في انخراط مباشر للولايات المتحدة في الحرب، من خلال أربعة مستويات من الدعم لإسرائيل: أولاً: الدعم الاستخباراتي المتواصل بشأن إيران. ثانيًا: الدفاع الجوي لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. ثالثاً: الدعم العسكري المالي المقدر بـ 3.8 مليار دولار سنويًا، إضافةً إلى مساعدات استثنائية (كـ18 مليار دولار خلال حرب غزة). رابعًا: الدعم السياسيكما ظهر في مجلس الأمن، بتبرير العدوان باعتباره مواجهة للتهديد الإيراني.
ويرى حرب أن استمرار هذا الدعم دون تدخل ميداني مباشر قد يجنّب المنطقة تصعيدًا أوسع، لكن دخول الولايات المتحدة المعركة سيؤدي إلى حرب مدمّرة تشمل الخليج، مع احتمال قصف القواعد العسكرية أو إغلاق مضيق هرمز، ما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية بسبب ارتفاع أسعار النفط.
السيناريو الثالث: انخراط أطراف إقليمية حليفة لإيران، مثل حزب الله في لبنان، وفصائل في العراق واليمن، إضافة إلى تصاعد الوضع في غزة، ما قد يوسّع نطاق الحرب ويدفع دولًا غربية إلى التدخل.
ويُرجّح حرب، في ضوء المعطيات الحالية، أن يبقى التصعيد محصورًا في إطار المواجهة المباشرة والمحدودة بين إيران وإسرائيل، كما شهدنا في اليومين الماضيين.
أوضح جهاد حرب أن نتيجة الحرب ستكون إما مسار تفاوضي أو التوصل إلى اتفاق، ويتوقف شكل هذا الاتفاق عمليًا على من يملك اليد العليا بين المنتصر والمنهزم.
حتى الآن، لم يُدمَّر البرنامج النووي الإيراني بالكامل ولا يزال قائماً، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إيران في صفوف قياداتها العسكرية والعلماء، سواء في المشروع النووي أو غيره. وفي إسرائيل، توجد خسائر مهمة لكنها ليست فادحة، مثل انعدام الاستقرار واستمرار إطلاق الصواريخ.
وأوضح أن خلال 24 ساعة، أُطلقت نحو 200 صاروخ على إسرائيل على أربع دفعات، ما يشير إلى إمكانية استمرار هذه العمليات لفترة طويلة. وبالتالي، سيكون المسار التفاوضي إما عبر حوار مباشر أو غير مباشر مع الإدارة الأمريكية، كما يحدث بين إيران والولايات المتحدة، أو عبر قرار من مجلس الأمن لوقف العمليات العسكرية حتى يتم التوصل إلى حلول مستقبلية.
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن الحرب تؤثر في نقطتين رئيسيتين: أولاً، الانشغال الدولي والإعلامي العالمي يتركز اليوم على الحرب الإيرانية الإسرائيلية، مما يؤدي إلى تهميش القضية الفلسطينية، خاصة في الإعلام الغربي. وثانياً، قد يبرز طرح جدي وجوهري لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المدى البعيد، بهدف تحقيق الاستقرار والازدهار والأمن والسلام في المنطقة، لأن جوهر التوتر يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وعدم حل الصراع.
يرى حرب أن تأجيل مؤتمر السلام مرتبط بالمرحلة الراهنة والانشغالات العالمية، خاصة الخوف من تصاعد الحرب الإيرانية-الإسرائيلية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة والمجتمع الدولي. مع احتمال توسع الصراع بسبب إغلاق مضيق هرمز ودخول دول أخرى في الحرب، يتركز الانشغال العالمي على منع انخراط واسع في هذا الصراع، مما يجعل التأجيل قرارًا مرتبطًا بجوانب أمنية وسياسية أكبر تتعلق بالحرب القائمة.
ورغم أن التأجيل يؤثر سلبيًا على القضية الفلسطينية في المدى القصير، إلا أنه لن يمنع التوصل إلى حلول مستقبلية للشرق الأوسط دون وجود مسار واضح لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لذا، فإن تأجيل المؤتمر يعكس الانشغالات الدولية الأوسع بالصراع الإيراني-الإسرائيلي التي تتجاوز القضية الفلسطينية ومداها الجغرافي بين النهر والبحر.
على مستوى الولايات المتحدة، لا تزال الإدارة تتحدث عن خيار حل الدولتين، لكن شكل الدولة الفلسطينية وحجمها يتم تقليصهما، كما ظهر في صفقة القرن، التي لم تعتمد على حدود 4 يونيو، بل على الواقع على الأرض. إذ يطبق ترامب مبدأ “الاعتماد على الأمر الواقع”، حيث تعتبر السيطرة الإسرائيلية على الأراضي وبناء المستوطنات جزءًا من إسرائيل، وهو ما يشمل نحو 30% من الضفة الغربية.
وأشار إلى أن السفراء الأمريكيون في عهد ترامب كانوا من اليمين المتطرف ويدعمون المستوطنين والأحزاب الدينية القومية في إسرائيل. مشددًا على أن أبناء شعبنا سيبقون في الضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 1948، وأي فكرة لبناء دولة فلسطينية خارج هذه الأراضي هي مجرد أحلام أيديولوجية لدى نتنياهو وحلفائه. لذلك، التصريحات الأمريكية ليست ذات أهمية سياسية كبيرة، والأهم هو صمود أبناء شعبنا ونضالهم المستمر لإقامة دولتهم.
وفي ختام حديثه وكان المؤتمر المزمع انعقاده في السابع عشر من الشهر وسيلة فلسطينية للحفاظ على خيار حل الدولتين وسط تخوفات من تراجع دعم الإدارة الأمريكية الجمهوري لهذا الخيار، رغم أن فكرة حل الدولتين بدأت مع الرئيس جورج بوش الابن، وهو جمهوري.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها