وفي حوار خاص أجرته الإعلامية مريم سليمان عبر فضائية فلسطيننا وضمن تغطية التطورات الميدانية والإنسانية في غزة، مع عضو المجلسَين المركزي والوطني الفلسطيني الكاتب والمحلّل السياسي د. فوزي السمهوري. حيث أشار السمهوري إلى أن ما يتعرض له شعبنا من حصار شامل منذ أكثر من 20 شهرًا، وقتل وتجويع وحرمان من الدواء والماء النظيف، لا يمكن وصفه إلا بكونه تجسيدًا فعليًا للتطهير العرقي، وفقًا لما تنص عليه اتفاقية منع الإبادة الجماعية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشدد السمهوري على أن الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أميركي مباشر، يستخدم وسائل متعددة في تعميق المأساة الفلسطينية، من القصف والقتل المباشر إلى التجويع والترويع المستمر، والتنقل القسري للمدنيين من منطقة إلى أخرى تحت ذريعة السلامة المؤقتة، ليُعاد استهدافهم من جديد.
وأوضح أن الاحتلال يتعمد حشر نحو مليوني إنسان في مساحة ضيقة جدًا لا تتجاوز 60 كم²، في ظل غياب البنية التحتية، وتفشي الأمراض، وشح المياه والغذاء، مؤكدًا أن ذلك يُعد وسيلة واضحة من وسائل التطهير الجماعي، لا تختلف في أهدافها ونتائجها عن المجازر التي شهدها الشعب الفلسطيني عام 1948.
وانتقد السمهوري بشدة الخطة الأميركية المزعومة لتوزيع المساعدات الإنسانية، مشيرًا إلى أن حصرها في أربع مناطق فقط، عبر شركات أميركية-إسرائيلية، وحرمان الأونروا من الإشراف عليها، يُعد استهتارًا بالأزمة الحقيقية، ويهدف إلى تعميقها لا إلى حلها. وقال: "إن هذه الخطط لا ترقى إلى تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، وتستبطن نية مبيتة لتفريغ القطاع من سكانه".
وتساءل السمهوري: "أين هي الدول الـ149 التي اعترفت بدولة فلسطين؟ وأين هي قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم؟"، معتبرًا أن استمرار هذه الجرائم يعود إلى تقاعس المجتمع الدولي، وازدواجية المعايير، وتفوق الإرادة الأميركية على القانون الدولي.
وشدد على أن الصمت الدولي، خاصة من الدول التي تزعم احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، هو ما يمنح الغطاء لاستمرار هذه الجرائم، ويفتح الباب لتكرار نكبة جديدة بحق الشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل أكّد السمهوري، أن اعتراض قوات الاحتلال الإسرائيلي أسطول الحرية قبل وصوله إلى قطاع غزة، يكشف مدى تغوّل الكيان الإسرائيلي ونشوته بالقوة المدعومة أميركيًا، وسط صمت دولي مطبق وتراجع أخلاقي منظم في التعامل مع جرائم الاحتلال.
وأشار السمهوري إلى أن ما يحدث لا يمكن فصله عن الدور الأميركي القيادي في إدارة الحرب على غزة، موضحًا أن الولايات المتحدة ليست فقط راعية للاحتلال، بل هي من يقود فعليًا حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، بدءًا من توفير الدعم العسكري والسياسي، وصولًا إلى استخدام "الفيتو" لحماية إسرائيل من أي إدانة أو حتى مجرد بيان استنكار في مجلس الأمن.
وشدد السمهوري على أن اعتراض سفينة "مادلين"، التي كانت تقل ناشطين من دول أوروبية كبرى، يعكس التمادي الإسرائيلي في امتهان القانون الدولي، مستشهدًا بسوابق تاريخية، منها الهجوم على سفن الإغاثة في 2010 و2011، دون محاسبة أو رادع حقيقي من المجتمع الدولي.
وأوضح أن هذه الخطوة جاءت بعد إعلان الاحتلال بشكل صريح عن عزمه منع وصول السفينة إلى غزة، ما يعني – بحسب السمهوري – أن الكيان الإسرائيلي لا يقبل بأي مبادرة إنسانية لا تمرّ عبر بوابته السياسية والأمنية، حتى وإن كانت تهدف فقط إلى كسر الحصار وتجسيد الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني.
وأضاف أن هذا السلوك يبعث برسالة واضحة للعالم مفادها أن إسرائيل "لا تأبه بالقانون الدولي، ولا تحترم سيادة المياه الإقليمية، ولا تعترف بأي إرادة إنسانية تتجاوز رغبتها في فرض الحصار والتجويع".
ولفت إلى أن هؤلاء النشطاء الذين تحدّوا الحصار وركبوا البحر تضامنًا مع شعبنا، عبّروا عن إرادة الشعوب الحرة التي ترفض التجويع والتعطيش، وتستنكر العقوبات الجماعية، مشيرًا إلى أن كل ما يُفرض على غزة من حصار وهجمات، يندرج ضمن جرائم إبادة وتطهير عرقي، يُعاقب عليها القانون الدولي.
وأكد على أن تقاعس المجتمع الدولي، وخصوصًا الانحياز الأميركي السافر، هو ما شجّع الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في انتهاك القانون الدولي، وصولًا إلى اعتراض سفن مدنية في المياه الدولية، كما حدث مع "أسطول الحرية"، دون رادع أو محاسبة.
وأشار إلى أن ما تقوم به هذه السفن هو دعم نضال الشعب الفلسطيني وفضح جرائم التجويع والتعطيش التي تُصنّف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مؤكدًا أن الردع الحقيقي لن يتم إلا بإرادة دولية حقيقية، لا تخضع للضغوط الأميركية.
ولفت إلى أن الاعتداء على السفينة تمّ في المياه الدولية، ما يُعدّ انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة، وأن غياب أي تحرك بموجب الفصل السابع دليل على ازدواجية المعايير الدولية.
وأكد أن الاحتلال نفسه يعترف بأن قطاع غزة والضفة الغربية أراضٍ محتلة، كما نصّت اتفاقية أوسلو، التي وضعت جدولًا زمنيًا لإنهاء الاحتلال كان من المفترض أن يُستكمل بحلول مايو 1999، إلا أن هذا لم يتحقق بسبب الحماية الأميركية.
وأشار إلى أن استمرار دعم الغرب لهذا الكيان، في الوقت الذي تزداد فيه عزلته الدولية، هو ما يمنحه الثقة للاستمرار في تحدي العالم وانتهاك القوانين والمواثيق الدولية.
وفي سياق متصل، علّق على تصريح السفير الأميركي لدى إسرائيل الذي قال فيه إن "الدولة الفلسطينية قد تُقام في مكان آخر"، مؤكدًا أن هذا التصريح لا يُعبّر عن رأي شخصي بل هو رسالة استراتيجية خطيرة تمسّ جوهر القضية الفلسطينية، وتكشف عن نية أمريكية لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة.
ولفت إلى أن هذا التصريح يتناقض مع المواقف الأميركية السابقة، بما فيها دعم مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، وقرار مجلس الأمن رقم 2334، والرسالة الرسمية التي قدمها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، والتي اعترفت بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة تشمل الضفة الغربية والقدس.
وأكد أن التغير في الموقف الأميركي بدأ مع إدارة ترامب، التي تبنّت سياسات متطرفة تستخدم "العنجهية والقبة الحديدية" كرموز لفرض الهيمنة الإقليمية وتغيير حدود ما قبل 1967، وهي مقاربة تهدد الأمن الإقليمي برمّته.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة، عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في الدول العربية، تسعى لفرض سيطرتها المباشرة أو غير المباشرة، خاصة على الدول المحيطة بفلسطين، مثل الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
وحذّر من أن السكوت على تصريحات مثل تلك التي أطلقها السفير الأميركي يُعد قبولًا ضمنيًا بخطط التهجير القسري والتصفية السياسية للقضية الفلسطينية، داعيًا إلى ردود فعل جدّية من الدول العربية والإسلامية، وليس مجرد إدانات شكلية.
ونوه الى أن المطلوب الآن ليس تجميد العلاقات مع الاحتلال، بل قطعها بشكل نهائي، لأن استمرار التطبيع يوفّر الغطاء السياسي لهذا الكيان المصطنع للاستمرار في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني والمنطقة بأكملها، كما وشدد على ضرورة اتخاذ خطوات عربية حقيقية لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، مؤكدًا على أن الاكتفاء بالإدانة أو الشجب لم يعد كافيًا في ظل الانحياز الأمريكي الواضح تجاه إسرائيل.
ودعا السمهوري، إلى إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، بما يشمل سحب السفراء أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، كرد على تصريحات ومواقف رسمية أمريكية منحازة. ولفت إلى أن مثل هذه الإجراءات ستكون رسالة غضب واضحة للإدارة الأمريكية، وقد تدفعها لمراجعة سياستها في المنطقة.
كما طالب بضرورة تجميد الاتفاقيات الاقتصادية وصفقات السلاح مع الولايات المتحدة، والتي تفوق قيمتها تريليونات الدولارات، حتى يتم تنفيذ مطالب الشعب الفلسطيني المتمثلة في وقف العدوان، ورفع الحصار، والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار إلى أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن رقم 2735، يجب أن تكون مرجعية لأي تحرك عربي ودولي، مؤكدًا أن الضغط السياسي والاقتصادي على واشنطن بات ضرورة في ظل الدعم الشعبي العالمي المتنامي للقضية الفلسطينية.
وشدد على أن تراجع الهيمنة الأمريكية في ظل اقتراب تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب، يشكّل فرصة للدول العربية والإسلامية لـ"فرض نفسها كلاعب مستقل"، داعيًا إلى بلورة إرادة سياسية جماعية بعيدًا عن الاكتفاء بالتصريحات الرمزية.
وانتقد محاولات بعض الدول الغربية، لا سيما بريطانيا وفرنسا، فرض شروط على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرًا إياها ذرائع للضغط على القيادة الفلسطينية. وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني يقف موحدًا خلف قيادته، التي "لن تستسلم أو تركع"، مشددًا على أن أي مؤتمر دولي – مثل مؤتمر نيويورك المرتقب – يجب أن يبدأ بإجراءات عقابية بحق إسرائيل، لا بفك العزلة عنها.
وفي سياق متصل، اعتبر أن العقوبات التي فرضتها بريطانيا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا على وزراء إسرائيليين متطرفين، مثل بن غفير وسموتريتش، لا تكفي، وأن المطلوب هو فرض عقوبات شاملة على الكيان الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يواصل سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
وطالب بأن يتوقف المجتمع الدولي عن الكيل بمكيالين، مذكرًا بالفارق في تعاطي أوروبا مع روسيا مقارنة بموقفها من إسرائيل، داعيًا إلى مقاطعة سياسية واقتصادية شاملة لإسرائيل. كما وأكد على أهمية استخدام أدوات القانون الدولي، مثل المادة 27 بند 3 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنع الدول الأطراف في النزاع من التصويت في مجلس الأمن، معتبرًا أن إثبات أن الولايات المتحدة طرف في الصراع، لا وسيطًا، قد يفتح الباب أمام كسر الفيتو الأمريكي، والوصول إلى قرارات أممية ملزمة ضد إسرائيل بموجب الفصل السابع.
كما ودعا إلى التقدم بمشروع قرار لتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، استنادًا إلى المادة 18 الفقرة 2 من الميثاق، كخطوة رمزية وميدانية لعزل الكيان المحتل دوليًا.
وأكد السمهوري، على أن المرحلة الحالية تتطلب تحركًا عمليًا وفعّالًا من المجتمع الدولي لعزل إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، مشددًا على ضرورة التقدم بمشروع قرار في الأمم المتحدة لتعليق وتجميد عضوية إسرائيل، استنادًا إلى المادة 18، الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. وأشار إلى أن هذا المطلب ليس طارئًا، بل كان محور دعوة الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي.
وأشار السمهوري إلى أن أي مؤتمر يعقد، كالمؤتمر المرتقب في نيويورك، يجب أن يخرج بخطوات تنفيذية تبدأ على الفور، وإلا فإنه لن يكون سوى إضافة جديدة إلى أرشيف القرارات الدولية المهملة، وفق تعبيره. كما حذر من محاولات إسرائيل المتوقعة لتشويه المؤتمر واتهامه بمعاداة السامية، في إطار خطابها المعتاد القائم على العجرفة والعنجهية، المدعوم من الموقف الأمريكي.
وأكد السمهوري أنه لا يمكن الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي في ظل هذه العنجهية الإسرائيلية، التي تستمد قوتها من الدعم الأمريكي، وسط صمت عربي وإسلامي مقلق، ومواقف دولية غير فاعلة، حتى من جانب الدول الصديقة كروسيا والصين.
وفي هذا السياق، أشار السمهوري إلى أن مواقف الصين وروسيا لا تزال نظرية، رغم أن لديهما مصالح اقتصادية كبيرة مع إسرائيل، مؤكدًا أن الوقت قد حان لترجمة الدعم لفلسطين إلى خطوات عملية، تبدأ بفرض عقوبات على إسرائيل، في إطار مسعى هذه الدول لإثبات حضورها كأقطاب فاعلة في النظام العالمي الجديد.
وتساءل السمهوري عن سبب ضعف الموقفين الروسي والصيني تجاه إسرائيل، رغم مشاركتها في فرض العقوبات على روسيا، مؤكدًا أن المسألة تتعلق بتحرير الإرادة السياسية للغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وأوضح أنه لو تحركت فقط نصف الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، لتغيرت المعادلة بشكل جوهري.
كما وختم مشدد على أن اتخاذ موقف عملي ضد إسرائيل سيبعث برسالة واضحة ليس فقط لتل أبيب، بل أيضًا للولايات المتحدة، بما ينعكس على مصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها