يشهد العالم حراكًا دوليًا واسعًا داعمًا للقضية الفلسطينية على مختلف المستويات: الإنسانية، والاجتماعية، والسياسية، والحقوقية، وكذلك الثقافية والأدبية، ويتجلّى ذلك بوضوح في مبادرة "حركة الشعر العالمية" لدعم غزة وإسنادها.
وتعقيبًا على هذه المبادرة، استضافت الإعلامية زينب أبو ضاهر، عبر الهاتف، الشاعر مراد السوداني، الأمين العام للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين.
أوضح السوداني أن مبادرة إطلاق "الجبهة الثقافية العالمية من أجل فلسطين" جاءت نتيجة اتفاقية تعاون بين حركة الشعر العالمية، برئاسة الشاعر فرناندو رندون، والاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وذلك لتوحيد الجهود الثقافية والإبداعية حول العالم دعماً لفلسطين في وجه الإبادة الجماعية والثقافية التي تتعرض لها. وأشار إلى أن الهدف كان تشكيل جبهة ثقافية دولية موحدة من مثقفين ومبدعين وأحرار العالم، للتصدي للرواية الاحتلالية المضلِّلة وكشف وجه الاحتلال البشع من خلال أدوات الشعر والثقافة والفن.
وفي هذا السياق، نظّمت حركة الشعر العالمية تظاهرة شعرية في أكثر من 100 دولة، تأكيدًا على دعمها للقضية الفلسطينية ورفضًا للحصار المفروض على غزة. وشدد السوداني على خيبة الأمل من النخب الثقافية العربية التي خذلت القضية، معوّلًا على أحرار العالم في إعادة تسليط الضوء على المأساة الفلسطينية ضمن خريطة الإبداع الكوني. كما أشار إلى أن فلسطين ستكون ضيفة شرف في مهرجان فنزويلا الشعري القادم، في خطوة تؤكد الحضور الثقافي الفلسطيني عالميًا، ودوره في الدفاع عن القيم الإنسانية في وجه الاحتلال وممارساته القمعية.
أكّد السوداني أن مبادرة حركة الشعر العالمية تشهد مشاركة واسعة من شعراء وكتّاب من مختلف أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية إلى الصين وروسيا وأوروبا وآسيا وإفريقيا، في تعبير واضح عن وقوف المساحات الشعرية المعافاة مع فلسطين. وأشار إلى حراك شعري يجري في المكسيك، تقوده الشاعرة فاطمة نزال، ويجمع كتّابًا وأدباء من العالم لدعم القضية الفلسطينية. وبسبب الإكراهات الاحتلالية التي تحول دون وصول الكتّاب إلى فلسطين، فإنها تصل إلى العالم بخيط دمها المقاوم، وبصوت مثقفيها، خاصة في غزة، الذين يواصلون الكتابة رغم القصف والموت، ليؤكدوا أن أدب المقاومة لا يزال حاضرًا بقوة في مواجهة الرواية الصهيونية المزيفة. ودعا إلى توحيد الأصوات الحرة والضمائر الحيّة عالميًا لنصرة فلسطين، مشددًا على أن هذه الأرض المقدسة، بما تحمله من وجع وصمود، تمنحنا معنى الجمال والحق في زمن الانهيار الأخلاقي، في وجه الاحتلال والاستعمار الحديث.
أكّد السوداني أن دعم الشعب الفلسطيني يتخذ أشكالًا متعددة، من الجماهيرية والدبلوماسية إلى المبادرات الثقافية، ومن بينها هذه المبادرة الأدبية التي تسند الشعب الفلسطيني في غزة وسائر فلسطين. وشدّد على أهمية تسليط الضوء على النخبة الأدبية الفلسطينية التي تعاني تحت الاحتلال، حيث تُواجه هذه الأصوات الحرة إكراهات في العالم، خاصة مع سطوة اللوبي الصهيوني على الإعلام والمهرجانات الثقافية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الأصوات ترفع صوتها عاليًا من أجل فلسطين، وتؤمن بأن الحرية والثقافة والشعر قادرة على مجابهة الظلم والموت والتزييف، وتعيد لفلسطين حضورها في الوجدان الإنساني، مقاومةً السرديات الاحتلالية، ومؤكدة أن الأدب والفن ينحازان دومًا إلى العدل والجمال والحرية.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بمحاولة إخراج الفلسطينيين من الجغرافيا، بل سعى أيضًا إلى طمسهم من التاريخ، عبر سلسلة من النكبات، تتجدد اليوم في غزة بما وصفه بـ”النكباء”، هذه الريح السوداء التي تحاول اجتثاث الحياة. ومع ذلك، لم تُقتل روح الحياة في فلسطين، بل تحوّلت التراجيديا الفلسطينية إلى فعل مقاوم وفاعل، يرفض التهجير، ويؤكد على الثبات في الأرض. ودعا المثقفين وأحرار العالم للوقوف إلى جانب فلسطين الآن، لأن هذه اللحظة كاشفة، وأي تخلٍّ عنها يُعد خذلانًا أخلاقيًا وإنسانيًا، مؤكدًا أن الشعراء الذين أعلنوا انحيازهم لفلسطين كشفوا زيف القناع عن وجه الجلاد، وواجهوا الرواية الصهيونية بأدب مقاوم، يحفظ الذاكرة، ويواجه المحو بكل أشكاله.
أوضح السوداني أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستهدف المكان فحسب، بل يمعن في استهداف النخب الفكرية والثقافية في فلسطين، ضمن سياسة ممنهجة لاغتيال العقل الفلسطيني. فمنذ بدايات الثورة وحتى اليوم، يستمر مسلسل اغتيال الكتّاب، والمفكرين، والأكاديميين، والفنانين، وقد بلغ عدد من تم استهدافهم في غزة وحدها أكثر من 100 أكاديمي ومفكر، إلى جانب تدمير شامل للبنية التعليمية والثقافية. كما استُشهد أكثر من 46 مبدعًا فلسطينيًا، بينهم 24 من أعضاء اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وهو استهداف مقصود يهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني ومنعه من الوصول إلى العالم، وطمس الرواية الفلسطينية على خارطة الإبداع الكوني.
ورغم كل هذا القتل والتدمير، لا يزال أدباء غزة وكتّابها يواصلون فعلهم الثقافي والإبداعي من قلب النار والركام، مصرّين على البقاء، وعلى مقاومة المحو والغياب. إنهم يكتبون ليقولوا للعالم إن هناك أرواحًا حية تصرّ على الحياة والمقاومة رغم الدمار. وفي ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والشتات، تبقى الثقافة آخر القلاع التي يجب الدفاع عنها، للحفاظ على الهوية الفلسطينية ومعناها الجليل. لذا، فإن التحدي كبير أمام المثقفين الفلسطينيين، ما يفرض ضرورة إعادة إنتاج قوة الثقافة والمراكمة عليها، لمواجهة آلة القتل والاستعمار، التي تستهدف الأمة بأسرها، وفي القلب منها: فلسطين، بصفتها عنوانًا للمقاومة والثقافة الحيّة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها