ألقى السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي أول أمس الثلاثاء 10 حزيران/يونيو الحالي تصريحًا خطيرًا يتعلق بمصير الدولة الفلسطينية في مقابلة مع "بلومبرغ"، وجاء فيه: أن الولايات المتحدة لم تعد تؤيد بشكلٍّ كامل قيام دولة مستقلة للفلسطينيين. وأضاف: أنه إذا تم تشكيل دولة، فقد تكون في مكان آخر بالمنطقة بدلاً من الضفة الغربية، وتابع "ما لم تحدث بعض الأمور الهامة التي تغير الثقافة، فلا مجال لذلك"، وأردف إلى أن هذه الأمور لن تحدث على الأرجح في حياتنا. وحول سؤاله إذا كانت الدولة الفلسطينية لا تزال هدفًا للسياسة الأميركية، كما كانت على مدى العقدين الماضيين، قال: "لا أعتقد ذلك". وفي رده عن الموقع الذي يقترحه لإقامة الدولة الفلسطينية، قال السفير الصهيوني وداعم الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي في الوطن الفلسطيني: أنه يجب أن "يتم تخصيص قطعة أرض من بلد مسلم بدلاً من مطالبة إسرائيل بإفساح المجال". وتساءل: "هل يجب أن تكون في يهودا والسامرة؟". وجاء سؤاله استنكاريًا ورافضًا لقيام الدولة الفلسطينية على جزء من أرض الوطن الفلسطيني، وتكريسًا لجوابه العدائي للحقوق السياسية والقانونية للشعب العربي الفلسطيني، استخدم الاسم التوراتي الذي تستخدمه الحكومة الإسرائيلية للضفة الفلسطينية، التي يعيش فيها ما يزيد عن 3 ملايين فلسطيني، ورغم أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس رفضت مرارًا وتكرارًا، الإفصاح عما إذا كانت الإدارة الأميركية لا تزال تؤيد حل الدولتين، بعد أن صرح هاكابي بموقفه الاجرامي المتناقض شكليًا مع السياسة الأميركية، قالت بروس يوم أول أمس الثلاثاء، في تهرب واضح من الإجابة على السؤال، والتوافق الضمني مع ما حمله تصريح سفيرهم في واشنطن "لن أقوم بتحليل تصريحات السفير". وأضافت المتحدثة باسم الخارجية: إن "ما قاله (هاكابي) يمثل رأيه الشخصي فقط". وأشارت، إلى أن قضية السياسة الخارجية مسألة تخص البيت الأبيض، وليس وزارة الخارجية. وهو ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
والأسئلة التي تطرح نفسها على السفير الأميركي في إسرائيل والمتحدثة باسم الخارجية، هل تصريح هاكابي منقطع الجذور عن سياسة الإدارة الأميركية، أم أنها جزء لصيق الصلة بها؟ وهل يجوز لسفير واشنطن أن يصرح شخصيًا بمواقف لا تتفق مع سياسة البيت الأبيض؟ وهل استخدامه اسم "يهودا والسامرة" بدل اسم الضفة الغربية منفصل عن سياسة بلاده؟ وألم يصرح الرئيس دونالد ترمب في 4 شباط/فبراير الماضي أثناء مؤتمر صحفي مع بنيامين نتنياهو عن تهجير الفلسطينيين القسري إلى كل من مصر والأردن أو أي دولة إسلامية مثل أندونيسيا أو غيرها لإقامة "ريفييرا الشرق الأوسط" في قطاع غزة؟ وهل الرئيس الجمهوري تراجع عن مواقفه المعادية لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني؟ وأليست إدارة ترمب تواصل خيار الإبادة الجماعية على الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء عمومًا في غزة، رغم التباينات الشكلية بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية؟ وما هو دور الخارجية الأميركية إن كانت لا تمثل السياسة الخارجية للبيت الأبيض؟ وهل يمكن عزل تصريح السفير الأميركي عن تهديد إدارته للدول التي ستشارك بعظائم الأمور في مؤتمر نيويورك من 17 إلى 20 يونيو الحالي برئاسة فرنسا والعربية السعودية، وشجبها لمواقف الدول التي فرضت عقوبات على الوزيرين سموتريش وبن غفير؟ أليست هذه المواقف تعكس جوهر الموقف الأميركي المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني؟ وهل تقبل الولايات المتحدة التي تدعي أنها تريد صناعة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتعمل وفق تصريحات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لوقف الإبادة الجماعية مع تصريح سفيرها؟ وهل تستقيم سياسة واشنطن مع تبديد دور هيئة الأمم المتحدة في القيام بمهامها الإنسانية في تقديم المساعدات للسكان، وهي المعنية دون سواها بهذا الملف تاريخيًا، بفرض شركة "غزة للمساعدات الإنسانية"، الشركة الأمنية التي أقامت مراكز توزيعها لتكون مصيدة لقتل الأبرياء الذين يتجمعون بالألاف للحصول على كيس دقيق أو أية مساعدات لسد أفواه الأطفال والنساء والشيوخ؟.
ألف سؤال وسؤال يمكن أن يطرح على ساسة الإدارة، وجميع الأسئلة تؤكد أن الولايات المتحدة تقف خلف تصريح سفيرها الصهيوني، الذي عكس صدى صوت الرئيس الـ47 وعموم الإدارة المتورطة بقيادة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وما كان له أن يدلي بما أدلى به، لو افترض أن إدارته التي نصبته سفيرًا لها موقف داعم لإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، وطن الفلسطينيين الأصلي، ولا وطن لهم سواه.
ولا أعلم إن كان هاكابي قد قرأ تاريخ بلاده على مدار عقود الصراع الطويلة الماضية، حيث كانت من أوائل دول الغرب الرأسمالي التي طرحت مشاريع التوطين للفلسطينيين في سيناء المصرية منذ عام 1949 و1953 مثل مشروع جونسون وغيرها من المشاريع، ومع ذلك فشلت في تمرير أي منها، نتيجة رفض أبناء شعبنا كل مشاريع التوطين والتآمر الصهيو أميركي والغربي عمومًا، وما طرحه لن يرى النور بفضل صمود وإصرار شعبنا على التجذر في التراب الوطني، ومواصلة قيادة منظمة التحرير الدفاع عن أهداف وثوابت الشعب الوطنية مهما كانت التضحيات الجسام التي سيدفعها شعبنا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها