الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة

الأسير المُحرَّر حسن بشارات (4)

أنت فلسطيني على أرضك الطاهرة وتحمل وطنك في قلبك وتدافع عن قضيتك بكل ما أوتيت من عزم وكرامة، إذًا فأنت رهن الاعتقال في أيّ وقت وفي أيّ مكان.
ليلة الاعتقال.. كنت أسكن في الطابق الرابع، ولم يكن أحدٌ من الجيران يعرف اسمي الحقيقي، كانوا يعرفونني باسمي الحركي "أبو النور".
في تمام الساعة الرابعة فجرًا، استيقظت على جرس المنزل وصوت قوي عنيف.. أدركت بأنّ أمرا خطيرا يحدث في محيط العمارة التي أسكن في إحدى شققها. قبل أن أفتح الباب، حاولت أن أستطلع ما يجري من شرفة الشقّة، فوجدت أن جيش الاحتلال يحاصر العمارة من كل الجهات.
علمت سريعا بأنهم قادمون من أجلي. فتحت الباب، فوجدتُ جاري الذي يسكن أمامي في الطابق الأرضي. سألني: أبو النور، أنت اسمك "حسن بشارات"؟ فأجبته: نعم، صحيح. قال: الكابتن "ينيڤ" يطلب منك النزول.. ودّعت زوجتي وابنتي "عهد" وضاعفت ما أرتديه من لباس، ثم أشعلت سيجارة، وبدّلتُ هاتفي بهاتف زوجتي، ثم نزلت.
 أذكر أن ابنة جيراننا رفضت أن تتركني لوحدي لأنّ الليزر المنبعث من رشّاشات عناصر جيش الاحتلال كله مُصوّب باتجاهي، وسارَت خلفي وهي تطلب مني أن أقول: أشهد أن لا إله إلا الله.. وصلت إلى مدخل العمارة، فأضاء وقتها جسدي بالليزر، وشاهدت على الطرف الآخر شخصا يصرخ ويقول لي: اخلع ملابسك وارفع يديك وتقدّم نحوي.. فما كان مني إلا أن تقدّمت باتجاهه.
أمسكوا بي، ثم وضعوني في مخزن في العمارة المجاورة. وبعدها بدأت رحلة التحقيق العسكري معي، وكانت أسئلتهم عن أخي أحمد، وعن الذين أعرفهم، وعن السلاح.. وانهالوا عليّ بالضرب المبرح، ثم تم تقييدي وتعصيب عينيّ ووضعي في زاوية وسلّطوا عليّ جنودا لإذلالي مع مزيد من الضرب.. اشتد الألم وتدفّقت الأوجاعُ والحسرة والمشاعر المضطربة في كل كياني، ولم أعد أقوى على الصّمت فانطلق الصراخ من أعماقي..
 وضعوني على أرضية سيّارة عسكرية (جيب)، وبعد ساعتين من السّير أنزلوني من السيارة وبطحوني أرضًا على بطني، ثم سمعت قرقعة السلاح في وضعية الإطلاق، فتوقّعت بأنهم سيطلقون عليّ زخّات رصاص..
يمرّ شريط حياتي لهنيهات أمام عينَي، أرى نفسي ذلك الطفل والفدائي والمعتقل، أرى أمّي وأبي وإخوتي، أحتضن طفلتي وأقبّل رأس زوجتي. أغيب عن الدنيا منتظرًا طلقة في قلبي أو رأسي أو ربما يسعفني الحظ فأواصل مسيرة نضالي ومقاومتي..