ليس عتبًا على أحد، ولكننا نعيش الألم والحزن على غزة في كل زاوية من المساحة التي نعيش فيها. نعيش آلام القتل، ونعيش آلام الجوع، ونعيش آلام المرض، ونعيش آلام الفرقة التي أخذت ما أخذت من حياتنا دون الاكتراث للمصير الذي ستؤول إليه مستقبل حياة شعبنا. الشعب الفلسطيني يناضل من أجل حريته ودحر الاحتلال عن أرضه. ويولي قراره المستقل جل اهتمامه. لكن التدخلات من أي مكان وفي كل زمان سببت الأذى للشعب الفلسطيني وقضيته. عنوان الشعب الفلسطيني معروف والولوج إلى عناوين أخرى هي جريمة بحق شعبنا. ليس لأي دولة كانت عربية أو إسلامية أن تتدخل في الشأن الفلسطيني، وجل الذي نأمل منهم هو الاسناد السياسي، وما يمكن أن يقدموه لتعزيز صمود شعبنا الذي يواجه السياسات والبرامج المختلفة للصهيونية ومن يدور في فلكها لذوبان القضية الفلسطينية وتلاشيها.
وليس عجبًا أن حركة حماس وضعت كل ثقتها في الملالي، لتشكل ملكًا جديدًا في وسطنا. إيران لا تفاوض فقط على برنامجها النووي، بل تشارك في مفاوضات تتعلق بالذراع الذي شكلته داخل الشعب الفلسطيني، في الجزء الذي شلته هذه الحرب اللعينة على غزة، والتي فتحت شهية الدولة العبرية لغرز معاولها في الضفة الغربية أيضًا، ضمن عملية هندسة المنطقة لما هو قادم.
نقف اليوم أمام مشروع التصفية للقضية الفلسطينية من القتل والتهجير إلى الإجراءات التعسفية الأخرى، ولقد تم تدمير العديد من المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية، وتعيد إسرائيل هندسة جزء منها الآن من جديد. واليوم نزح سكان مخيمات شمال فلسطين، ليصبح أكثر من خمسة وأربعين ألف نازح خارج منازلهم، ألقوا في العراء منذ بدء العمليات العسكرية للاحتلال في شمال الضفة الغربية، لا شك أن الاحتلال هو السبب والموضوع قيد مخططاته، لكن قُدِّمَت المخيمات قربانًا لتنفيذ تدميرها من أصحاب الشعارات.
إيران، وقطر، ومصر تفاوض عن غزة، وحماس تدير ظهرها لمنظمة التحرير الفلسطينية وترفض مشاركتها، من أجل تقديم ما يمكن تقديمه لوقف شلال الدماء. لم يكن تصريح الرئيس ترامب مفاجئًا لي حين صرح لنتنياهو من خلال مكالمته التي استمرت زهاء أربعين دقيقة حول الملف النووي الإيراني وغزة إن إيران تفاوض عن غزة، لتحمي مصالحها القومية.
لقد جعلت إيران من غزة رهينة لبرامجها، لترفع الوتيرة أو تخفضها وفقًا للتطورات الإقليمية، ولحماية مصالحها القومية. نعم، حماس تشارك إيران في كل الأمور، وليس هي فقط، فكل من يمول البرنامج الحمساوي يتدخل دون تحفظ، هنا يتوقف، وهناك يكمل المشوار. وهذا واضح وضوح الشمس، منذ عهد التمويل القطري الإسرائيلي المشترك لحماس في غزة، من خلال السفير العمادي. ومع إيران كذلك، حيث أن طهران قبلة حماس الأولى لتلقي الأموال والتعليمات، وفرض الهيمنة على الشعب الفلسطيني.
أنا لا أكره أحدًا، وأحب الخير للجميع، والسلامة لكل الملل، لكن قضيتي أولويتي، واستقلال القرار هو المقياس الذي أقدم فيه احترامي وتقديري. الدعم والتمويل لحركة حماس خارج منظومة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، أودى بالقضية الفلسطينية إلى الهاوية. لم تكن إسرائيل وحدها من زرع الخنجر في خاصرة القضية، ولكن الخنجر المسموم جاء من أولي القربى أولاً، بدعم وتمويل منظومة، وبسبب حساباتها الخاطئة، أوديت القضية إلى الهاوية والشعب الفلسطيني إلى هجرات جديدة، وأكملت إسرائيل على ما تبقى.
وفي محفل حماية البرنامج النووي الإيراني، فإن القربان الذي سيضحى به هو غزة، والشعب الفلسطيني الذي يعتبره قادته من فنادق الخمس نجوم أنه خسائر تكتيكية. وأما الشهداء، فالأم الفلسطينية كما يرون ولادة، وتنجب ما فقد. نعم، عندما تعتبر الأم الفلسطينية الماجدة مجرد ماكينة للتفريخ، فهذا لا بأس به وفق مرئياتهم.
إلى الله نرفع شكوانا، وإليه نبث همومنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها