في إطار سياساتها العدائية، وممارساتها الوحشية، وقيادتها ومشاركتها لدولة إسرائيل اللقيطة للإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، استخدمت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترمب الافنجليكاني المتصهين حق النقض الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى وقف الإبادة الجماعية فورًا وغير مشروط وبشكل دائم، وإدخال المساعدات الإنسانية وبكثافة من المعابر كافة ودون قيود لقطاع غزة فجر ليلة الأربعاء والخميس 4و5 حزيران/يونيو الحالي (2025)، وللمرة السادسة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وللمرة الأولى في عهد الرئيس الـ47، رغم تصويت الدول الـ14 الدائمة وغير الدائمة على مشروع القرار، إلا أن الإدارة الماجنة أصرت عن سابق إصرار وتصميم أن تبقى خارج الاجماع الدولي، وتعزل نفسها بنفسها عن الشرعية الأممية، وتقف في زاوية إسرائيل المظلمة والغارقة في امتصاص دم الأطفال والنساء الفلسطينيين الأبرياء.
الاستخدام المتكرر للفيتو من ممثلي الإدارة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، يميط اللثام مرة تلو الأخرى عن الوجه الحقيقي للدولة العميقة والبناء الفوقي والسلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية في الولايات المتحدة الأميركية، وتؤكد حقيقة راسخة تملي الشجاعة والمسؤولية الأخلاقية والقانونية والسياسية الوطنية والإنسانية التأكيد، أن المنتج الأساس للنازية في العالم هي الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولعل من يعود لتأسيس الدولة الأميركية الشمالية على أنقاض وإبادة السكان الأصليين الذي فاق عددهم 105 ملايين إنسان، منهم من يدرك طبيعتها وجوهرها وركائز سياساتها الوحشية، كونها من بين دول العالم الرأسمالي التي ارتكبت أبشع جرائم الإبادة الوحشية ونهب ثروات الشعوب في قارات العالم كافة، وما زالت العنوان الأول، الذي يقف على رأس الدول نيو اميريالية، وراعية وصانعة الإرهاب وجرائم الحروب في الكرة الأرضية. 

ولم ترف رموش المندوبة الأميركية في هيئة الأمم المتحدة دوروثي شيا، عندما صوتت ضد مشروع القرار الأممي الهادف لوقف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين الأبرياء بعد 20 شهرًا من الموت والإبادة والكارثة والفاجعة غير المسبوقة في تاريخ الصراع، ومهدت لتصويتها الفاجر واللا أخلاقي أثناء مناقشة المشروع المنسجم مع روح ونواظم الهيئة الأممية بذرائع واهية ومنافية لواقع الإبادة الجماعية، وبعد التصويت ادعت دوروثي شيا، أن النص "يفتقر إلى التوازن"، وأضافت: أنه "يقوض الجهود الديبلوماسية الجارية". كما أنه "يشجع حركة حماس، ويرسي مساواة زائفة بين إسرائيل وحماس". وأكدت أن القرار غير مقبول "بما ينص عليه، وبما لا ينص عليه".
وتجاهلت المندوبة الأميركية في تعمد مقصود: أولاً أن ما يطرح من مشاريع اقتراحات أميركية من قبل المبعوث ستيف ويتكوف، لا تمت بصلة للتوازن، ولا تعكس جهودًا ديبلوماسية هادفة لوقف الإبادة الجماعية، إنما هي مشاريع اقتراحات إسرائيلية ترقيعية لإبقاء نيران الحرب مشتعلة ضد الشعب الفلسطيني في أرجاء الوطن كافةً وفي قطاع غزة خصوصًا، ولمنح الدولة الإسرائيلية الخارجة على القانون المزيد من الوقت لفناء أكبر عدد من الأطفال والنساء الفلسطينيين لإقامة الريفييرا في القطاع؛ ثانيًا وأما حديثها عن التوازن بين الضحية والجلاد، إنما هو قلب للحقائق والواقع، وهي كذبة فاقعة، لأنه لا يوجد موازين قوى من أصله، حتى يجري الحديث عن التوازن؛ ثالثًا كما أن هناك للأسف تبادل للأدوار بين حركة حماس وإسرائيل في إطالة أمد الإبادة، وتعلم الأميركية دوروثي، أن من نصب حركة حماس والإخوان المسلمين في المشهد العربي عمومًا وفلسطين خصوصًا هي بلدها الولايات المتحدة وأداتها الوظيفية إسرائيل، التي مولتها وأبقتها على قيد الحياة بهدف تمزيق وحدة الصف الفلسطيني، والانقلاب على الشرعية منذ 18 عامًا خلت، وتبديد المشروع الوطني الفلسطيني، والحؤول دون استقلال الدولة الفلسطينية.

ورغم ذلك، فإن القيادة والشعب الفلسطيني وافقوا على مشاريع الاقتراحات الأميركية المتهافتة وغير المتوازنة والعبثية واللا أخلاقية لمنح الشعب الفلسطيني بعضًا من الوقت كهدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس والخروج من نفق المجاعة والأمراض والأوبئة والفاجعة، ونادوا ودعوا قيادة فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين للموافقة على الاقتراح الأخير، والمراكمة عليه لإحداث اختراق ولو جزئي في جدار الاستعصاء الإسرائيلي الأميركي.
لكن الإدارة الأميركية الجمهورية سيدة وحامية إسرائيل النازية، والمستبيحة للشرعية الأممية، واصلت وحشيتها، ووقوفها دون تردد وراء استمرار الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني. لأن استخدامها الفيتو للمرة السادسة يعني مواصلة الحرب، وإدامة عمليات القتل والتدمير والانتهاك الصارخ للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة، أي أن الفيتو الأميركي يعتبر وجهًا آخر من وجوه الإبادة الجماعية، ولصيق الصلة بها.