تطوّرات متلاحقة في الضفة الغربية، وتصريحات تعكس نية الاحتلال في رسم واقع جديد يهدف إلى إفشال جهود إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وللبحث في هذا المشهد، استضافت الإعلامية مريم سليمان، عبر قناة “فلسطيننا”، أمين عام الحملة الأكاديمية لمناهضة الاحتلال والفصل العنصري، الكاتب والباحث السياسي الدكتور رمزي عودة.
بدايةً أوضح عودة أن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية مستمر بوتيرة متسارعة، في سياق مشروع صهيوني يستهدف الضفة بشكل مباشر، باعتبارها ذات أهمية دينية وأيديولوجية، وتشكل عمقًا جيوسياسيًا لكيان الاحتلال، فضلًا عن كونها مجالًا لتوسيع المستوطنات وتوطين المستوطنين.
وتابع عودة أن بعد السابع من أكتوبر، استغلت إسرائيل الأحداث لتصعيد هجمتها على الضفة الغربية باستخدام عدة أدوات: أولاً: تقويض السلطة الفلسطينية عبر إضعاف مؤسساتها الأمنية، وقرصنة أموال المقاصة الفلسطينية، مما تسبب بعجز مالي خانق. ثانيًا: تسريع وتوسيع الاستيطان حيث تم الإعلان عن بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، في خطوة تهدف إلى ابتلاع الأراضي بشكل سريع، ونسف حل الدولتين فعليًا. ثالثاً: تشجيع اعتداءات المستوطنين: تصاعدت هجمات المستوطنين ضد القرى الفلسطينية مثل أبو فلاح وترمسعيا وسنجل، حيث قاموا بإحراق المنازل والمركبات، والاعتداء على المحاصيل الزراعية وسرقة الأغنام، بهدف بث الرعب بين السكان ودفعهم للرحيل قسرًا.
إضافة إلى ذلك، لم تعد عمليات الضم تقتصر على مناطق (ج)، بل بدأت إسرائيل فعليًا بالاستيلاء على نحو 63 ألف دونم من مناطق “ب”، وضمها إلى المخططات الاستيطانية، سواء عبر بناء المستوطنات مباشرة أو من خلال مدّ الطرق الالتفافية، ما يكرّس سياسة الضم الزاحف بشكل علني.
كما أكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة حين تفاخر بإلغاء اتفاق أوسلو وإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية. وقد بيّنعودة أن حتى أحزاب “الوسط” لم تعد تتبنى خيار الدولة الفلسطينية، فيما نوّهت تحليلات إسرائيلية إلى أن أحداث السابع من أكتوبر عمّقت القناعة داخل المجتمع الإسرائيلي بعدم إمكانية الوثوق بالفلسطينيين، ما عزز الإجماع على رفض حل الدولتين، وتسريع سياسات تهويد القدس، وهدم منازل الفلسطينيين، بما في ذلك في مناطق (ب) و(ج)، خصوصًا في محيط المدينة المقدسة.
في السياق ذاته، أشار عودة إلى أن إسرائيل تعمل على تنفيذ مشروع استيطاني واسع النطاق، يُنهي التواصل الجغرافي داخل الضفة الغربية ويقضي فعليًا على إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وقد بيّن عودة أن مستوطنة أريئيل تقطع الضفة إلى شمال وجنوب، بينما تفصل معاليه أدوميم بين الضفة الغربية والبحر الميت، في وقت يُخطط فيه لطوق استيطاني يطوّق مدينة رام الله. بالتزامن، أكّد عودة أن إسرائيل تُلغي صكوك الملكية وتصاريح البناء التي تصدرها السلطة الفلسطينية في مناطق (ج)، في محاولة لفرض وقائع ضمّ جديدة. كما نوّهت تقارير إلى أن الاحتلال يسعى لتهجير سكان قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى منع أي تصور لغزة كجزء من الدولة الفلسطينية. مشددًا على أن يجري كل ذلك في ظل استغلال إسرائيل لظروف سياسية دولية مواتية، تشمل ضعف الموقف العربي، واتفاقيات التطبيع، والدعم الغربي غير المشروط، ما يشجعها على تسريع تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في فلسطين.
أشار عودة إلى أن كل خطوة تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني، تُقابلها إسرائيل بتصعيد استيطاني وعسكري في الضفة الغربية، في رسالة واضحة برفض أي تحرك دولي يهدف للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأضاف أن إسرائيل لا تكتفي برفض هذه الخطوات، بل تتباهى بتقويض حل الدولتين وتسارع في فرض الوقائع على الأرض، كما حدث بعد اعتراف النرويج وإسبانيا وسلوفينيا بدولة فلسطين، حيث طردت إسرائيل موظفي سفاراتهم ووسّعت من مشاريعها الاستيطانية.
ونوّه إلى أن تعامل إسرائيل مع إيرلندا، الدولة الرابعة التي اعترفت بفلسطين، أصبح عدائيًا، عبر فرض تأشيرات ومنع دخول رعاياها. وبيّن أن هذه السياسات تكشف الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال، التي تتصرّف بعقلية فاشية وعنصرية، ولم تعد تبالي بانكشافها أمام العالم. لكنه أكّد أن هذا التصعيد لا ينبع من قوة، بل من عزلة متزايدة تدفع إسرائيل إلى تسريع مخططاتها قبل أن تُفرض عليها الضغوط الدولية.
كما أشار إلى أهمية المؤتمر المزمع عقده في نيويورك برعاية فرنسية وسعودية منتصف هذا الشهر، والذي يُعد خطوة جديدة نحو تفعيل حل الدولتين. وختم بالتأكيد على أن تفكك الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، بتوقيع 17 دولة على وثيقة ضد الاحتلال، يمثّل بداية جدية لعزل إسرائيل دوليًا، على غرار ما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
علّق عودة على القرار التاريخي الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية بالإجماع، برفع عضوية فلسطين من حركة تحرر وطني إلى دولة مراقب غير عضو، مؤكدًا أن هذا التصويت يُعد اعترافًا ضمنيًا من الدول الأعضاء، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، بارتقاء فلسطين إلى مستوى الدولة. وأوضح أن أهمية هذه الخطوة لا تكمن فقط في الامتيازات، بل في الرسالة السياسية الواضحة التي تُوجَّه إلى إسرائيل وحلفائها، بأن العالم يعترف بالدولة الفلسطينية، في حين تواصل إسرائيل تعطيل هذا المسار.
ونوّه عودة إلى أن هذا القرار يندرج ضمن مسار دولي متصاعد للاعتراف بفلسطين، حيث تجاوز عدد الدول المعترفة بها 145 دولة، ومع انضمام منظمات دولية كمنظمة العمل الدولية، تتحقق أهداف استراتيجية تسعى القيادة الفلسطينية لتكريسها على أرض الواقع. كما أشار إلى أهمية مؤتمر حزيران في الأمم المتحدة، والذي يرعاه كل من فرنسا والسعودية، باعتباره فرصة لتعزيز هذه الاعترافات وتطبيقها عمليًا، خاصة في ظل غياب أي شريك إسرائيلي حقيقي للتفاوض، واستمرار إسرائيل في تعطيل قرارات الشرعية الدولية.
وفي ختام تصريحه، شدّد عودة على أن الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين ليس مجرد مكسب رمزي، بل خطوة نحو فرض الواقع القانوني والسياسي للدولة الفلسطينية، رغم إرادة الاحتلال، وعلى المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته في إنفاذ حل الدولتين وتجسيد الاعتراف على الأرض.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها