في هذه التغطية المفتوحة لآخر التطورات والمستجدات المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على شعبنا، حيث استضافت الإعلامية زينب أبو ضاهر عبر الهاتف المختص في الشأن الإسرائيلي، الأستاذ محمد عواودة، للحديث حول ملامح السياسة الإسرائيلية في الفترة المقبلة على ضوء حملة المقاطعة الأوروبية لإسرائيل.

بدأ عواودة حديثه بالتأكيد على أن ما يجري هو امتداد لمحطات ممتدة منذ السابع من أكتوبر، مشيرًا إلى أن بنيامين نتنياهو يحاول تحقيق توازن بين الضغوط الدبلوماسية الخارجية ومتطلبات الداخل الإسرائيلي. وأوضح أن نشر فيديو من داخل النفق في القدس يحمل رسائل متعددة: رسالة للداخل بأن القدس ليست مطروحة للتفاوض، ورسالة لشعبنا بأن ما حدث في السابع من أكتوبر أدى إلى هذه النتائج.

أما اعتراف نتنياهو باعتقال عشرات المدنيين، يرى عواودة أن بنيامين نتنياهو لا يعبأ بمحاسبة إسرائيل على الاعتقالات، إذ إن الاعتقال ممارسة راسخة في سياسة الاحتلال سواء في زمن الحرب أو السلم، والعالم يدرك أن إسرائيل تحتجز أكثر من 25 ألف فلسطيني في ظروف غير إنسانية، بينهم نحو 7000 معتقل إداري بلا محاكمة. ويشير إلى أن نتنياهو يتفاخر بهذه الانتهاكات، وسبق أن وصف حجم الاعتقالات بأنها بنك معلومات يستخدمه الجيش لاجتياح غزة. ويضيف أن نتنياهو مطمئن لوجود دعم أميركي يمنع محكمة لاهاي من التحرك، مستشهدًا بإقصاء كريم خان عن عمله كرسالة سياسية واضحة.

يرى عواودة أن الهدف الحقيقي لإسرائيل من الحرب هو احتلال قطاع غزة وليس استعادة المحتجزين، فهم مجرد ذريعة تطرح كلما اشتد الضغط الداخلي. الحرب مبنية على خلفية أيديولوجية دينية تسعى من خلالها حكومة نتنياهو إلى ربط غزة بصحراء سيناء، وإعادة السيطرة عليها كمشروع استيطاني. وشددا على أنَّ تصريحات وزراء مثل سموتريتش، وخطة توزيع الغذاء التي وُضعت بعد شهرين من 7 أكتوبر، تؤكد أن الحرب مخطّط لها مسبقًا، وليست ردًا عفويًا على العملية.

وتابع، أما المفاوضات، فهي مجرد ديكور إعلامي لإرضاء المعارضة الداخلية وداعمي إسرائيل في الخارج، خصوصًا الولايات المتحدة. لا تقدم إسرائيل أي بادرة حسن نية، بل تواصل التصعيد كلما بدأت جولة مفاوضات. حتى لو تم تسليم المحتجزين، فنتنياهو سيواصل الحرب لأن قراره احتلال غزة واستباق أي حل سياسي متخذ مسبقًا. ويشبه عواودة مستقبل أي تهدئة محتملة بما يحدث في لبنان، حيث لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار، بل استمرت بالقصف، ما يعكس رؤيتها للتهدئة كاستسلام فلسطيني، دون التزام متبادل.

يشير عواودة إلى تحوّل مهم في وعي الشعوب تجاه الرواية الفلسطينية، مقابل تراجع السردية الإسرائيلية التي سادت لعقود. فالعالم، وخصوصًا على المستوى الشعبي، بدأ يكتشف زيف الرواية الصهيونية التي روّجت لها إسرائيل طيلة 76 عامًا. مثال ذلك شهادة شاب إسرائيلي عاد من كندا رافضًا الخدمة العسكرية، بعدما أدرك أن إسرائيل تمارس العنصرية والعدوان. هذا التحول يعكس صعود الرواية الفلسطينية عالميًا، مدفوعًا بثمن إنساني باهظ، لكن بثبات غير المسبوق غيّر المعادلة العالم.

كما يؤكد أن المقاطعة الاقتصادية والسياسية لإسرائيل باتت أداة ضغط فعّالة، لا سيما إذا دعمها العرب بجدّية. مشددا على أنَّ إسرائيل تعاني اقتصاديًا وتحوّل ميزانياتها نحو العسكر، في ظل عزوف شركات الطيران عن مطار بن غوريون، ومقاطعة الجامعات الأوروبية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. هذا التراجع قد يؤدي إلى انكسار استراتيجي، خصوصًا في قطاع السلاح، إذ قال وزير الخارجية الإسرائيلي "إن القيود المفروضة على تصدير السلاح تهدد بانهيار الدولة، لأن صناعتها العسكرية لا تغطي استهلاك الحرب دون استيراد الذخيرة من الخارج".

يؤكد عواودة أن أي تغيير في السياسة الإسرائيلية لن يحدث قبل أن يشعر المجتمع الإسرائيلي بالضرر الاقتصادي المباشر، مثل ارتفاع مستوى الفقر، انسحاب الشركات الكبرى، وانهيار الشراكات الدولية. عندها فقط قد يتحرك الشارع ويطالب بتنحي نتنياهو. أما في الوقت الراهن، فالمجتمع الإسرائيلي لا يزال موحدًا أيديولوجيًا حول قتل الفلسطيني، بغض النظر عن الانقسام السياسي، والدليل إقرار الكنيست قانونًا يمنع قيام دولة فلسطينية بدعم من اليمين واليسار معًا.

ويضيف أن تأثير الهستدروت "مجمع النقابات المهنية" سيكون حاسمًا إذا أعلن عصيانًا مدنيًا، لأنه سيشل الكيان الإسرائيلي. لكن ذلك مستبعد حاليًا، لأن النقابات نفسها منقسمة سياسيًا، وبعضها يسيطر عليه حزب الليكود، مما يعكس الانقسام العميق داخل مؤسسات المجتمع الإسرائيلي. لذلك، فإن تحرك الهستدروت بحاجة إلى توافق واسع، وهو ما يتطلب وقتًا طويلًا في ظل هيمنة اليمين على المشهد.