من مدينة طولكرم المحاصرة إلى أبواب مؤسسات الأونروا المغلقة في القدس، ومن تصريحات الإدارة الأميركية المتناقضة إلى دهاليز الأزمة الداخلية في إسرائيل، يتأزم المشهد. وفي ظل هذا الاهتزاز السياسي والإنساني، يواصل الاحتلال خنق المخيمات في الضفة، وقصف المؤسسات، وتقييد الأقلام الحرة.
وبينما تشتعل الضفة وتُباد غزة، يُترك الإعلام الفلسطيني وحيدًا في مواجهة نارين: نار التضييق ونار المسؤولية. وللحديث في عمق هذه القضايا، استضافت الإعلامية ريم مشيرفي عبر الهاتف عضو قيادة حركة فتح وعضو اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، الأستاذ موسى الصفدي.
بدأ الصفدي حديثه بالإشارة إلى ما يجري في الضفة الغربية، مؤكداً أن هذه الحرب الإسرائيلية تستهدف اقتلاع شعبنا وتفكيك مقومات صمودهم، في محاولة لدفعهم نحو التهجير القسري. مشددًا على أن طولكرم ومخيم نور شمس تحديدًا، تتكرر مشاهد العربدة العسكرية يوميًا: اقتحامات، ترهيب، وتضييق ممنهج على المواطنين. وقد أدى ذلك حتى الآن إلى تهجير أكثر من 4500 فلسطيني، وسقوط أكثر من 15 شهيدًا في الأيام القليلة الماضية، بينهم نساء وأطفال.
ويرى الصفدي أن ما يحدث في الضفة يُعد الوجه الأخطر للمشروع الصهيوني، إذ تشكّل الضفة مركز الطموحات الاستيطانية الإسرائيلية، فالاحتلال يسعى إلى طمس رمزية المخيمات الفلسطينية، وإنهاء ملف اللاجئين، تمهيدًا لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.
وأضاف، أن الهجوم على الأونروا في حي الشيخ جراح، بقيادة عضو كنيست الإسرائيلية، يندرج ضمن محاولات تصفية الشاهد الأخير على نكبة الفلسطينيين ووجودهم كلاجئين، ليس فقط في غزة بل في كل مخيمات الشتات. الأونروا كانت دومًا هدفًا للهجمات السياسية والمالية، خاصة منذ صفقة القرن ووقف التمويل الأميركي عنها، كونها تمثل اعترافًا دوليًا بقضية اللاجئين. هذا التصعيد يعكس الرؤية الإسرائيلية-الأميركية المشتركة لإنهاء ملف اللاجئين تمهيدًا لتسوية تُقصي الحقوق الفلسطينية، خصوصًا في القدس.
في سياق متصل أكد الصفدي أن القدس، التي تشكل جوهر الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، تواجه محاولات ممنهجة لمحو رمزية وجودها كعاصمة روحية وتاريخية للفلسطينيين. من نقل السفارة الأميركية إلى المدينة في عهد ترامب، إلى الاقتحامات اليومية للأقصى، يتواصل الضغط الإسرائيلي لتكريس واقع استيطاني وديني جديد. ومع هيمنة اليمين الصهيوني المتطرف، تتجه إسرائيل نحو خيارات خطيرة لا تهدد الفلسطينيين وحدهم، بل مستقبل المنطقة بأكملها، بما فيها المجتمع اليهودي نفسه.
وتابع، يشهد العالم زخمًا دبلوماسيًا واضحًا لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية، يتجلى في تحركات دولية متعددة، مثل مبادرات مجموعة آسيان، ومجموعة مدريد، والدعوة الأميركية لعقد مؤتمر دولي برعاية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية. وفي هذا السياق، تُعَدّ ورقة ويتكوف التي يتوسط بشأنها القطريون والمصريون محورًا مهمًا في جهود التهدئة، مع وجود قبول مبدئي من الأطراف، رغم أن التفاصيل الدقيقة لا تزال تعيق التقدم، بسبب اختلافات في تفسير بنود الاتفاق، خاصة بين موقفي حماس وإسرائيل.
رغم موافقة حماس المعلنة على الورقة، صدرت تصريحات متناقضة من بعض قادتها، تؤكد الرفض لتسليم السلاح، وهو ما يتعارض مع روح الاتفاق التي تؤكد بحسب الموقف الأميركي أن غزة يجب أن تكون “بلا سلاح”. هذا التناقض يعكس ازدواجية في خطاب حماس، بين جناح يريد التهدئة وآخر يواصل خطاب الحرب. في المقابل، نتنياهو يستغل ملف المحتجزين لتبرير استمرار العدوان، بهدف تنفيذ مخططه التوسعي في الضفة قبل غزة، وهو ما يربط مصيره السياسي بمواصلة الحرب وليس بإنهائها.
وفي ختام حديثه، أكد الصفدي أن الإعلام الفلسطيني يخوض معركته ضد الاحتلال بأقل الإمكانيات، لكنه يُقدّم نموذجًا فريدًا في نقل الحقيقة، ويُثبت قدرته الفائقة على التأثير رغم كل القيود. هذا الإعلام، الذي يواجه الخطر يوميًا، بات شاهدًا حيًّا وشهيدًا محتملًا، حاملاً الرواية الفلسطينية من قلب الميدان، ومدافعًا عنها في وجه محاولات الطمس والتضليل.
ورغم محدودية موارده، نجح الإعلام الفلسطيني في فرض حضوره على الساحة الدولية، وساهم في تغيير مواقف دولية كبرى. فقد أصدرت أكثر من 20 دولة أوروبية وعربية، من بينها ألمانيا وبريطانيا وكندا، بيانات تطالب بوقف الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة، استنادًا إلى ما نقله هذا الإعلام من حقائق موثقة. إنه الخندق الأول في معركة الوعي، وصوت الفلسطينيين الحيّ في زمن الحصار والعدوان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها