في ظل تصاعد حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، كشفت شبكة "سي إن إن" في 19 أيار/مايو 2025 عن وجود مفاوضات سرية تجري في الدوحة بين وفد أميركي بقيادة رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح، وحركة حماس. حيث لعب بحبح دوراً محورياً في هذه المحادثات بعد نجاحه في الوساطة للإفراج عن الرهينة الأميركي عيدان ألكسندر، مما أكسبه ثقة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب.
انطلق هذا المسار التفاوضي كنافذة أمل لتخفيف معاناة سكان غزة، لكنه سرعان ما كشف هشاشة موقف حماس وتأثير ذلك على وحدة الموقف الفلسطيني. ففي 21 أيار/مايو 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروطاً تعجيزية لإنهاء الحرب، تضمنت استعادة الأسرى، ونزع سلاح حماس وفصائل المقاومة، وإنهاء حكم الحركة، وتنفيذ "خطة ترامب" التي تتضمن تهجير الفلسطينيين من القطاع. ورفض نتنياهو وقف إطلاق النار قبل تحقيق هذه الأهداف، ما يعكس السعي الحثيث لفرض واقع سياسي وسكاني جديد في غزة يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية- الأميركية.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 22 أيار/مايو 2025، سحب الوفد الإسرائيلي من مفاوضات الدوحة، رافضاً التوصل إلى اتفاق شامل مع حركة حماس. وجاء هذا القرار في وقت واصلت فيه الولايات المتحدة محادثاتها المباشرة مع الحركة، كما أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ما يعكس تعقيد المشهد التفاوضي والمأزق الاستراتيجي الذي تواجهه حماس نتيجة انخراطها في الوساطة الأميركية.
يُشكّل انخراط حماس في الوساطة الأميركية اعترافاً ضمنياً بشرعية هذه الوساطة الأحادية التي تفتقر إلى أي ضمانات حقيقية، الأمر الذي أضعف الموقف الفلسطيني وفتح الباب أمام إسرائيل لاستغلال هذه المحادثات لتبرير عدوانها المستمر على قطاع غزة. كما أدى هذا الانخراط إلى تقويض دور الوسطاء العرب وإضعاف الزخم العربي في دعم الموقف الفلسطيني.
بالعودة إلى آذار/مارس 2025، تتجلى بوضوح خطة أميركية ممنهجة تهدف إلى توريط حماس في التزامات لم تكن مستعدة لها، وذلك عبر المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف. وقد صرح ويتكوف بأن حماس كانت "غير صريحة" خلال المفاوضات، ما منح إسرائيل غطاءً لتصعيد عدوانها على غزة، الذي شمل استئناف حرب الإبادة، وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب زيادة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل.
وجاءت هذه التطورات في سياق متزامن مع القمة العربية الطارئة التي عُقدت في 4 آذار/مارس 2025، والتي هدفت إلى التصدي لخطة تهجير سكان قطاع غزة التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ما يؤكد أن المفاوضات الأميركية مع حماس لم تكن سوى أداة لتعزيز الواقع الميداني لصالح الاحتلال، وتقويض الجهود العربية الرامية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني ومواجهة مشاريع التهجير والتطهير العرقي.
أدى هذا المسار التفاوضي الأحادي الجانب إلى زيادة عزلة حركة حماس السياسية، وتقويض قدرتها على الحفاظ على موقف فلسطيني وعربي موحد وقوي في مواجهة التحديات السياسية والميدانية. وفي ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة الملحة للعودة إلى إطار منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الشرعية التاريخية والدولية الوحيدة للشعب الفلسطيني، من أجل توحيد الموقف التفاوضي والسياسي وتعزيز الوحدة الوطنية.
إن توحيد الموقف الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ليس مجرد ضرورة وطنية بل استراتيجية، تعزز قدرة الفلسطينيين على مواجهة السياسات الإسرائيلية العدوانية وتزيد فرص تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة. وفي غياب هذه الوحدة، يبقى الموقف الفلسطيني هشاً، ويستمر الاحتلال في فرض وقائعه على الأرض دون مقاومة سياسية حقيقية.
ختاماً، تثبت تجربة المفاوضات التي خاضتها حماس منفردة أنها تقيّد الفاعليّة السياسية الوطنية، وتؤدي إلى تفكيك الوحدة الفلسطينية في وقت تتطلب الظروف أكثر من أي وقت مضى توحيد الصفوف تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي الضامن الحقيقي لحقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته العادلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها