الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة
الأسير المُحرَّر حسن بشارات (1)
أنا "حسن بشارات" من مواليد بلدة "طمون" جنوب "طوباس" شمال الضفة الغربية، في الثالث آذار/ مارس 1977، حاصل على شهادة الدكتوراه في الإرشاد النفسي والتربوي. ترعرعت في "طمون"، وتعلّمت في مدارسها، وأنتمي إلى عائلة محافظة لها تاريخها النضالي في مواجهة الاحتلال الغاصب، تشبّعت بقيم عائلتي وتشرّبت أبجدية النضال منذ نعومة أظافري.. وأعتز وافتخر، مثل معظم أبناء جيلي، بانتمائي إلى رمزٍ فلسطيني عظيم اسمه "أبو عمّار"، نعتبره أبا وأخا ومُلهما لأجيالٍ فلسطينية.. هذا الرجل الذي لا يشبه أيّ أحد آخر. هذا الرجل الذي أحب أبناء شعبه وأحبّوه، وقدّم لهم عمره وحياته، وسعى دوما إلى جمعهم تحت راية الوحدة والنضال والعمل المستمرّ. رسالته دومًا كانت واضحة ومُحدّدة وهي: دحر الاحتلال والعودة إلى فلسطين الحبيبة.
كنت أسمع عبارة: "القضية الفلسطينية"، ولكنني لم أكن أفقه معنى "القضية" حتى السادس عشر نيسان/ أفريل 1988، كان عمري آنذاك يقارب 12 عاما، وقتها رأيت والدي حزينا يعلو وجهه القهر، تساءلت: لمَ كل هذا القهر؟ فعلمت بأن السبب كان استشهاد "أبو جهاد" (خليل الوزير).
سألت والدي: من هو "أبو جهاد"، ولماذا إلى هذه الدرجة أنت منزعج وحزين من خبر استشهاده؟ فحدّثني عن هذا الرجل وبطولاته، وأن الفلسطينيين يطلقون عليه "مهندس الانتفاضة"، واسمه "خليل الوزير". هذا الرجل الذي جعل المحتلّين يُحدّثون أنفسهم من فرط ما دوّخهم وأعجز وسائلهم وإمكانياتهم.. هو القائل: "إيّاك أن يشعر عدوك بالعزة عليك، أنت الذي يجب أن تكون العزيز عليه، أنت الذي يتوجّب عليك أن تُشعر عدوك بالعنفوان بالعزّة وبالكرامة". هكذا أراد القيادي الفلسطيني الشهيد "خليل الوزير" (أبو جهاد) أن تكون العلاقة بين الاحتلال والقضية الفلسطينية.
لكن الاحتلال مرضٌ عضال خبيث، أو هو "الطاعون" على حدّ قول الشاعر "محمود درويش"، له أذرعٌ أخطبوطيّة طويلة داخل فلسطين وفي كل أنحاء العالم.. فقد وصلت هذه الأذرع إلى "أبي جهاد" وهو مقيمٌ في تونس، حيث تم اغتياله بكتيبة كاملة.. لم يستسلم بل ارتقى شهيدا، صدق ما عاهد الله عليه. رحم الله رفيق درب "أبي عمار" الفدائي ابن الكوفية وابن فلسطين البار المقاوم، ورحم الله "أبا عمّار" وكل شهداء فلسطين الذين قضوا نحبهم والذين ينتظرون..
أخذني الفضول كصبيٍّ صغير إلى الكثير من التساؤلات والتخيّلات والتأمّلات في واقعنا الفلسطيني. لكن الخيال لم يسعفني كثيرا فكلما زاد الوعي، زادت المعرفة، وبالتالي زاد الألم، فقضيّتنا قضية وجود تتطلّب الكثير من التضحيات والعزيمة وقبل كل هذا الإيمان المطلق بالانتصار شاء من شاء وأبى من أبى.
طفولتي مثل الكثيرين غيري من أبناء فلسطين، كنت أقطع يوميًّا مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات سيرًا على الأقدام للوصول إلى المدرسة، في ظروف مناخية تتقلّب مع الفصول.. لكن التغلّب على كل الصعاب في سبيل التعلّم كان الخيار الأوحد.
في الطريق إلى المدرسة، كنت مع رفاقي نهوّن طول المسافة وما فيها من إرهاق بالخوض في أحاديث ربما كانت أكبر من أعمارنا وقدرة عقولنا على استيعابها.. فكنّا نحاول أن نفهم ما يدور في بلادنا، ونحلّل ونناقش بما توافر لدينا من معلومات بسيطة نسمعها من أهالينا وهم يحاولون أن ينفذوا إلى مستقبل فلسطين من خلال الأحداث التي يعيشها الشعب الفلسطيني..
كان الوقت يمرّ بين الجيئة والذهاب إلى المدرسة وكأنه نسمة صيف عذبة. وكان أهل بلدتنا يتميّزون مثل كل أهالي البلدات الفلسطينية الأخرى بالطيبة والبساطة والتلاحم في جميع الظروف المُفرحة أو الحزينة. كنّا نعرف بيوتهم جميعا ونتوقّف عند بعضهم لنشرب الماء أو نسترق دقائق للراحة من تعب السّير إلى المدرسة التي كنّا نذهب إليها في جماعة أنا وإخوتي وأبناء إخوتي وأبناء الجيران، وأيضا نعود أدراجنا معا في جماعة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها