تنام غزة على دوي القصف ولا تستيقظ إلا على أنين الأمهات وصرخات الأطفال. في هذا القطاع المحاصر، لا يُقاس الزمن بالساعات، بل بعدد الضربات الجوية، وبعدد المرات التي نجا فيها الناس من الموت أو فقدوا فيها كل شيء. مشهد المعاناة يتكرر يومًا بعد يوم، وللإطلاع على تطورات الأحداث المتسارعة استضافت الإعلامية مريم سليمان المحلل السياسي ورئيس مركز جذور لحقوق الإنسان، الدكتور فوزي السمهوري.

بدايةً، يؤكد الدكتور فوزي سمهوري أن عملية عربات جدعون ليست إلا استكمالًا لحرب إسرائيلية ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، تُمارس تحت مسمى العمليات العسكرية بينما تهدف فعليًا إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. ويشدد على أن إسرائيل لم تغادر قطاع غزة لتدّعي اليوم "العودة" إليه، بل إنها حافظت على هيمنتها العسكرية، وتسعى إلى خلق واقع ديموغرافي جديد من خلال التهجير القسري. ويحذر سمهوري من الانجرار خلف مصطلحات تُسوّقها إسرائيل والولايات المتحدة لتبرير الجرائم، داعيًا إلى التركيز على تثبيت الفلسطينيين في أرضهم ومقاومة محاولات نفيهم قسرًا.

وينتقد سمهوري ما يُروَّج له من مفاهيم مثل الهجرة الطوعية، معتبرًا أنها تغطية قانونية زائفة لتهجير قسري يجري تحت الاحتلال وفي ظل حرب الإبادة. ويرى أن الحديث المتكرر عن المحتجزين الإسرائيليين يُستغل لتبرير العدوان، في غياب اتفاقات واضحة تربط بين الإفراج عنهم وإنهاء الحرب. دعيًا  إلى التمسك بالوحدة الوطنية تحت مظلة "م.ت.ف" لمواجهة المشروع الصهيوني بأدوات سياسية وشعبية تضع حماية الشعب الفلسطيني وصموده في قلب أي تحرك داخلي أو دولي.

وجّه السمهوري رسالة مفادها أنه يجب على حركة حماس، عدم الانجرار خلف قوى تدّعي إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة، في ظل وعود زائفة بإعادة الحكم. وأوضح أن ما يجري هو محاولة مكشوفة لاستدراج الحركة نحو نزع سلاحها كليًا، تمهيدًا لإقصائها.

وأكد أن التجارب والوقائع أثبتت انعدام الثقة بكل من إسرائيل والولايات المتحدة، مشددًا على أن الثقة الحقيقية يجب أن تنبع من الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية. واعتبر أن هذه الثقة تشكّل الأساس الوحيد لحشد الدعم الإقليمي والدولي من الدول المؤمنة بالعدالة والسلم، بهدف إنهاء العدوان الإسرائيلي وتحقيق الانسحاب الكامل.

في هذا السياق، وجّه المتحدث انتقادًا واضحًا لتوجهات بعض الفصائل الفلسطينية، ومنها حماس والجهاد الإسلامي، نحو مفاوضات فرعية تتجاهل القرار الأممي 2735، الذي يرى فيها مشروعًا أمريكيًا إسرائيليًا يسعى لتهميش الحقوق الفلسطينية. وشدّد على ضرورة مطالبة الدول الوسيطة، مثل مصر وقطر، بالضغط لتنفيذ هذا القرار بدل الانخراط في مسارات بديلة تُستخدم للتهرب من الالتزامات الدولية.

وأكد على أهمية الوحدة الوطنية كضرورة ملحة، مشيرًا إلى دعوات الرئيس محمود عباس المتكررة في المحافل الدولية والعربية، وآخرها في المجلس المركزي، لتعزيز الحوار وإنهاء الانقسام. وبيّن أن القيادة الفلسطينية أبقت الباب مفتوحًا أمام جميع الفصائل، إلا أن حركة حماس رفضت المشاركة، مضيّعة بذلك فرصة للالتقاء الوطني تحت مظلة منظمة التحرير.

وتابع، الرهان يجب أن يكون على الشعب الفلسطيني فقط، وليس على أي دعم خارجي، مشيرًا إلى أن الجرائم المستمرة بحق شعبنا، من القتل إلى التهجير وتدمير المخيمات، تدل على سعي الاحتلال لإعادة إنتاج نكبة 1948، ما يتطلب وحدة وطنية عاجلة لحماية القضية والشعب.

وانتقل للحديث عن مخطط الاحتلال لإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة بآلية جديدة، تهدف إلى تجميع الفلسطينيين في ثلاث مناطق معزولة، وتقديم الحد الأدنى من الغذاء للبقاء فقط، ما يشكل وسيلة ضغط إنساني وأمني تمهيدًا لفرض أمر واقع يخدم مشروع التهجير والتطهير العرقي. ولفت إلى أن رفض الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأونروا لهذه الآلية، يكشف عن رفض دولي واضح للمخطط، مؤكدًا أن رفع الحصار الشامل، وضمان حرية الحركة وإدخال المساعدات دون قيود، هو السبيل الوحيد لوقف هذه السياسات اللاإنسانية.

 أكد السمهوري أن ما يُروَّج له من صفقات بين نتنياهو وشركائه اليمينيين المتطرفين، كسموتريتش وبن غفير، ما هو إلا مسرحية مكشوفة هدفها ذر الرماد في العيون وتضليل الرأي العام، خاصة في ظل ما وصفه بالتواطؤ الأميركي الكامل مع سياسات الاحتلال. وأوضح أن توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية يعكس استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تنكر الوجود الفلسطيني وتتناقض مع قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار محكمة العدل الدولية الصادر في تموز الماضي. 

كما أشار إلى أن زيارة ترامب للمنطقة كانت لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية، كتوقيع عقود بمليارات الدولارات والحد من النفوذ الصيني، دون أي اهتمام بوقف العدوان على غزة أو تنفيذ القرارات الدولية. ودعا إلى ترجمة الدعم العربي والإسلامي الواسع للقضية الفلسطينية إلى خطوات عملية، مثل فرض عقوبات سياسية ودبلوماسية، والسعي لتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، مشددًا على أن تحرير فلسطين هو المدخل الأساسي لحماية الأمن القومي العربي، وليس مجرد قضية تضامنية.

رأى السمهوري أن التحركات الأوروبية الأخيرة تجاه "إسرائيل" رغم تأخرها، تعكس تحولًا تدريجيًا تحت ضغط الرأي العام العالمي، لكنها لا تزال غير كافية. وانتقد صمت الدول الغربية عن جرائم الإبادة والتطهير العرقي في غزة، مطالبًا بعقوبات شاملة على الكيان الإسرائيلي لا على المستوطنين فقط. وحمّل بريطانيا مسؤولية تاريخية عن نكبة فلسطين، مستنكرًا ترددها في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وداعيًا لرفع الفيتو الأميركي عن انضمام فلسطين كعضو كامل في مجلس الأمن. كما طالب بإجراءات فاعلة لإنهاء الاحتلال، لا مساعدات إنسانية رمزية، مؤكدًا أن الشعوب تريد أفعالًا على الأرض لا شعارات.

أكد د. أكيد السمهوري أهمية زيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان، معتبرًا إياها جزءًا من حراك دبلوماسي نشط تقوده القيادة الفلسطينية عربيًا ودوليًا. وأوضح أن هذه الزيارة تأتي دعمًا للبنان كدولة شقيقة تعرضت لعدوان إسرائيلي، وتأكيدًا على وحدة الموقف في مواجهة المخططات الصهيونية.

وأشار إلى أن الزيارة تهدف أيضًا إلى تعزيز العلاقات الثنائية، خصوصًا في ما يتعلق بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وضرورة بحث حقوقهم المدنية وتنظيم أوضاعهم بما يخدم مصلحة الطرفين. كما شدد على أهمية التنسيق مع لبنان في التحركات المقبلة، خصوصًا قبيل مؤتمر نيويورك واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ورأى أن هذه الزيارة، إلى جانب العلاقات المتينة مع الأردن ومصر وسوريا، تُشكّل سياجًا سياسيًا وأمنيًا داعمًا للقضية الفلسطينية، في مواجهة المخططات الإسرائيلية–الأمريكية في المنطقة.