بقلم: بشار دراغمة

في صباح يوم الأمس، حشد الاحتلال قواته عند حاجز بيت فوريك شرقي نابلس، وما هي إلا لحظات حتى تتحرك تلك الآليات وتقتحم المنطقة الشرقية من المدينة وتتمركز في مخيم عسكر القديم، تحاصر مدارسه، بينما بنادق الجنود تُطل نحو العيادة التي ازدحمت لتوها بالمرضى.

عند عيادة المخيم تضع الحاجة أم علاء يدها على قلبها كأنها تسنده قائلة: "صرت أعرف وقع أقدامهم قبل أن يظهروا، نميز صوت آلياتهم، رصاصهم، بات مشهدًا يوميًا لكنه سيظل مشهدًا منبوذًا من كل المواطنين ولا يمكن أن يصبح عاديًا".

في ذات المنطقة حيث المدرسة الصناعية وعلى مسافة ليست بعيدة عن مدارس وكالة "الأونروا"، احتشدت الآليات بينما لا يملك الطلبة الذين دخلوا لتوهم إلى صفوفهم الدراسية إلا الترقب وانتظار الانسحاب التالي وهم يدركون أن اقتحامًا آخر قد يحدث في أي لحظة.

يحاول صحافيون الاقتراب ورصد ما يحدث بعين الكاميرا، تهاجمهم قوات الاحتلال التي تمركزت قرب المدرسة الصناعية وفي حارة الجماسين وقرب العيادة، وتجبرهم على التراجع، لتكرر الأمر ذاته مع الصحافيين.

قبل عملية الاقتحام تلك كان مخيم العين غربي المدينة قد شهد هو الآخر عملية اقتحام مماثلة، لا تختلف تفاصيلها في شيء، اقتحام منازل وتحطيم محتويات واعتقالات.

في ذات المخيم اخترق الرصاص الحي قدمي رجل مسن تجاوز الـ60 عامًا، ظل ينزف لوقت، قبل أن تصل إليه سيارات الإسعاف وتنقله إلى المشفى.

تتراكم عمليات الاقتحام تباعًا، فقبل ساعات ظلت قوات الاحتلال تمارس "الكر والفر" في مدينة نابلس.

يوما الإثنين والثلاثاء، شهدت نابلس عمليات اقتحام متتالية، وما إن تنسحب قوة عسكرية حتى تعاود أخرى هجومها على المدينة في متلازمة العدوان الذي لا يتوقف ضد كل ما هو فلسطيني.

في بلدة كفر قليل المطلة على مخيم بلاطة يعيش السكان على وقع الترقب للاقتحام التالي، فلا يكاد يمر يوم دون أن تشهد البلدة عملية اقتحام.

ففي ذلك المخيم ما زالت آثار رائحة البارود في المكان، فالمخيم لا يكاد يتنفس من انسحاب للاحتلال حتى يشهد عملية اقتحام جديدة.

يقول محمد عامر: إن الاقتحام بات شبه يومي للمخيم والناس لا تملك إلا مراقبة الأخبار ومعرفة تحركات الاحتلال عبر منصات التواصل الاجتماعي.مضيفًا: "كلنا مراسلون، كل بيت هو كاميرا مراقبة، وكل نافذة هي منصة بث حي".

فعلى مدار الساعة كل نابلس بمخيماتها تظل تترقب وقع الاقتحامات، يهرع الأهالي نحو هواتفهم فتطبيقات التراسل أصبحت خرائط حياة، والدردشة تحولت إلى جهاز إنذار مبكر".

حياة أهالي نابلس ومخيماتها تحولت بفعل عمليات الاقتحام المتتالية إلى نشرة طوارئ، الجنازات تُسرع خطاها، الامتحانات تُؤجل، والخوف لا يؤجل.

الروتين في نابلس يشبه طقوس حرب مستترة، تُحكم الأبواب كأن الليل عدو، تُخزّن الأرواح في قلوب الأمهات كأنهن صناديق سوداء لرحلات مجهولة المصير.

لا تعرف سامية العامودي طعمًا للراحة على مدار اليوم قائلة: "مجرد أن يغادر أبنائي إلى المدارس يبدأ القلب بالمزيد من الخفقان، فلا نعرف متى يكون الاقتحام التالي للمدينة، ويظل قلبي معلقًا بالقلق حتى يعود أبنائي إلى المنزل".

وتضيف: "هذا قلق يومي يصاحب كل صباح دراسي، فالكثير من عمليات الاقتحام تحدث خلال النهار من احتلال يتفنن في القتل ولا يأبه إن أعدم طفلاً أو شيخًا".

كل يوم، لا يُناقش أهل نابلس تفاصيل الحياة العادية، بل يسألون: أي بيت داهموه؟ كم شابًا اعتقلوا؟ كم طفلاً ارتجف؟ وكم أمًّا لم تنم؟ وحتى إذا جاء الصباح، لا أحد يعرف إن كان صباحًا حقيقيًا أم مجرد لحظة عابرة بين اقتحامين.