بقلم: عزيزة ظاهر

لم يعد خرير المياه يصدح في مجرى نبع عين العوجا شمال شرق مدينة أريحا، بل حل محله صمت ثقيل، فرضه الاحتلال والاستيطان بعد أن جفف المستوطنون العين التي كانت بمثابة شريان الحياة للبلدة وسكانها.

قبل أيام كانت الحياة تنبض حول عين الماء، تروي الحقول، وتمنح الحياة للزرع والمواطنين والمواشي على حد سواء، لم تكن مجرد عين ماء، بل كانت روح المكان، وجزءًا من ذاكرة الأهالي وهويتهم، فلم يكن الأمر بالنسبة لهم مجرد سرقة للماء، بل طعنة في القلب، واغتيال لذاكرة قرى بأكملها.

ويعتبر تجمع شلال العوجا البدوي القريب من العين من أكثر المتضررين بعد تجفيفها، إذ يعتمدون بشكل أساسي على مياه عين ماء العوجا في تربية المواشي والزراعة، ويتعرض التجمع بالآونة الأخيرة، وبالتوازي مع الإبادة الجماعية في غزة، الى مضايقات واعتداءات مستمرة وهجمة شرسة من قبل قطعان المستوطنين تحت حماية جنود الاحتلال، ضمن سياسة ممنهجة لتفريغ التجمع من المواطنين والسيطرة على الأرض.

- قلق ومأساة

يخيم القلق على المواطنة نعمة مليحات (أم لخمسة أطفال وتسكن بتجمع شلال العوجا) منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، بعد أن فقدت أهم مقومات الحياة والصمود في المكان، كانت دائمًا تردد "طالما العين بتروي، ما بتموت الأرض". اعتادت أن تصحو قبل الفجر، تشعل موقد الحطب، وتذهب لتملأ براميل المياه من العين، وتعود لتنجز أعمال الجلي والغسيل والطبيخ اليومية، إلى أن استفاقت ذات صباح مع الأهالي على خبر جفاف العين وموت الأسماك الصغيرة.

وبينما كانت نعمة تتلمس الصخور الجافة بيدين مرتجفتين، قالت: "هم لم يجففوا العين فقط، هم سرقوا أعمارنا أيضًا، كيف سنستمر ونواصل حياتنا وسط غياب أهم مقومات الحياة، لا ماء ولا أمن ولا أمان؟".

صوتها المرتجف يكشف وجهًا آخر للمأساة، مأساة نساء التجمعات البدوية اللواتي يتحملن العبء الأكبر في رعاية الأطفال وشؤون العائلة وسط ندرة المياه. وطالبت حمد الجهات المختصة بضرورة مساندة سكان التجمع ومؤازرتهم لتعزيز صمودهم وثباتهم بالمكان.

- خمس مستوطنات وبؤرة رعوية

يقول رئيس بلدية العوجا فخري نجوم يقول: تضاعفت معاناة السكان بعد أن شيد مستوطن بؤرة رعوية على أرض نبع العوجا، في أيار/مايو الماضي، في محاولة واضحة للسيطرة على العين ومنع المواطنين من الوصول إلى مورد المياه الأساسي.

ويتابع: إن ينابيع عين العوجا البالغة 27.5 كيلومترًا، التي تعد المصدر الأساسي لري الثروة الزراعية والحيوانية لقرية العوجا، مغتصبة من قبل قطعان المستوطنين، الذين نقلوها إلى المستوطنات الخمس الجاثمة على أراضي العوجا، وهي "تومر، ونتيف، ونعران، وإيطاف، وعومر"، بعد أن حفرت شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) آبارًا ارتوازية عدة على الحوض الذي يغذي النبع، لتمد مستوطناتها بالمياه، والتي تزرع عشرات آلاف الدونمات في تلك المنطقة بالنخيل، والأعشاب الطبية، والزيتون، والورد، والعنب، فيما يجبر أهالي العوجا على شراء المياه المسلوبة منهم، لتوفير احتياجاتهم الضرورية، من (ميكروت) التي وضعت يدها بطرق ملتوية على مصادر مياه عين العوجا.

- مناشدة

بدوره يؤكد مختار تجمع شلال العوجا، سلامة الرماضين، أن المياه شريان الحياة، وتجفيف مياه النبع يعني موت الحياة هنا، ويشير إلى أن نحو 1200 مواطن يعيشون في تجمع الشلال كانوا يعتمدون على مياه النبع لري المواشي والمحاصيل الزراعية، يريدون ترحيلهم كما حدث في تجمعات سكانية أخرى.

وناشد جميع الجهات المختصة وصاحبة الشأن بضرورة مساندتهم وامدادهم بمقومات الصمود والثبات على أرضهم، وتضييع الفرصة على الاحتلال ببسط سيطرتهم على الموقع.