من الدوحة إلى غزّة، ومن تل أبيب إلى واشنطن، خرائط الحرب تُرسَم من جديد، وقطاع غزّة على حافّة المجاعة. وترامب يدعو إلى وقف الحرب الوحشيّة، ونتنياهو يفاوض تحت النار. فما الذي تغيّر؟ ومن يحكم قواعد اللعبة؟هل الرهائن ورقة تفاوض أم وسيلة ابتزاز؟وهل التحوّل في اللهجة الأميركيّة حقيقي؟
ناقشت الإعلامية ريم مشيرفي هذا المشهد المتشابك مع المحلّل السياسي اللواء سمير عباهرة، في محاولة لفكّ شفرات المشهد وتحديد البوصلة: إلى أين تتجه إسرائيل؟ وماذا تبقّى من غزة؟
بدايةً تناول اللواء سمير عباهرة التناقضات داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، وأثرها المباشر على سير الحرب في غزة والمفاوضات مع حركة حماس. وأشار إلى أن تدخل الولايات المتحدة عبر اتصالات مع حماس أدى إلى الإفراج عن المحتجز الأمريكي-الإسرائيلي ألكسندر، ما أثار ردود فعل غاضبة داخل إسرائيل، خصوصًا من أوساط اليمين المتطرف. واعتبر عباهرة أن نتنياهو يتبع سياسات تضمن له البقاء السياسي، ولو على حساب المحتجزين أو نجاح المفاوضات، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى لفرض شروطها بالقوة، عبر الإبقاء على الحرب والضغط الميداني، ما يقلل فرص التوصل لاتفاق قريب.
من جهة أخرى، أوضح عباهره أن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية تعاني توترًا ملحوظًا، خاصة في ظل تمسك نتنياهو واليمين المتطرف بخيارات عسكرية وحلول أحادية الجانب. وبيّن أن الأزمة الداخلية في إسرائيل بما في ذلك تهديد الحريديم بعدم التصويت أو الانسحاب من الحكومة تزيد من هشاشة الائتلاف الحاكم، مما يدفع نتنياهو إلى تصعيد الوضع في غزة لكسب أوراق تفاوضية. مشددًا على أن اليمين المتطرف يرفض الانسحاب الكامل من غزة ما لم يُضمن تفكيك حماس كقوة عسكرية وسياسية.
تناول عباهرة ملف الهجرة القسرية كأحد الأهداف الأساسية للاجتياح الإسرائيلي لغزة، مشيرًا إلى أن اليمين المتطرف، ممثلًا ببن غفير وسموتريتش، لا يزال يدفع بهذا الاتجاه عبر فرض واقع ميداني يؤدي إلى تهجير أبناء شعبنا، سواء طوعًا أو قسرًا. ولفت إلى أن التهديدات باستقالة بن غفير في حال إدخال المساعدات تعكس مدى تأثير هذا التيار في بقاء الحكومة، ما يجعل الملف الإنساني رهينة للتجاذبات السياسية.
أوضح عباهرة أن الخطاب الأميركي الجديد يحمل رسالة واضحة لنتنياهو مفادها أن حماية المصالح الأميركية يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع حماية المصالح الإسرائيلية. فالولايات المتحدة تسعى إلى تهدئة بؤر التوتر في المنطقة، من اليمن وسوريا ولبنان وصولًا إلى غزة، بهدف تمرير أجندتها السياسية، خاصة مع اقتراب استحقاقات ترامب. وأكد أن واشنطن باتت تدرك أن جوهر الأزمات الإقليمية يكمن في عدم حل القضية الفلسطينية، وأن تحقيق الاستقرار يبدأ من حل هذا الملف. وعليه، ينبغي على نتنياهو أن يستوعب هذه المعادلة، وأن تفرض الولايات المتحدة رؤيتها بوضوح عليه.
وتابع، الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية في العالم العربي، خاصة مع دول مثل مصر والسعودية وقطر والإمارات، إلى جانب سعيها لاحتواء الملف الإيراني. هذا يفرض عليها ضرورة تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو ما يشكل رسالة مباشرة لنتنياهو بأن دعمها لإسرائيل لا يعني تجاهل بقية التوازنات الإقليمية. فإذا طُرحت تسوية شاملة، فعلى نتنياهو الالتزام بالموقف الأميركي لضمان استمرار الدعم والعلاقات.
اختتم حديثه بالإشارة إلى ممر “مراج” باعتباره الحد الفاصل بين رفح وخان يونس، مرجحًا أن يتم تجميع أبناء شعبنا جنوب هذا المحور بهدف ممارسة ضغط مركّب على حماس، والإقليم، والولايات المتحدة، والعالم بأسره، تمهيدًا لتنفيذ خطة ترحيل جماعي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها