أبناء شعبنا الفلسطيني الأبي في الوطن والشتات،

تحلُّ علينا الذكرى السابعة والسبعون للنكبة الأليمة، ولا تزال جراحُنا مفتوحة، وذاكرتُنا حيّة، وحقُّنا في أرضنا لا يسقطُ بالتقادُم.

ففي مثل هذا اليوم من عام 1948، اجتمعت قوى الاستعمار والظلم والتآمر، لترتكب جريمة العصر بحقّ شعبنا الفلسطيني، حيث شُرِّد مئات الآلاف من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، واقتُلعوا قسرًا من أرضهم، فيما أُقيم كيان الاحتلال الغاصب على أنقاض الدم الفلسطيني، وركام القرى المحروقة عن بكرة أبيها، وأشلاء الشهداء، وسط صمتٍ دوليٍّ مخزٍ، وَصَمَ بالعارِ بدايةَ تنفيذ المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ الإحلاليّ، الذي لا يزال قائمًا، يواصل جرائمه بحقّ شعبنا الأعزل.

 أبناء فلسطين الأوفياء، 

في الخامس عشر من أيار، لا نسترجع الماضي بوصفه حدثًا مضى، بل نستحضر فلسطين بوصفها الحقيقة الكبرى، والقضية المركزية، والهوية التي ما انفكّ الاحتلال يحاول طمسها بكلّ أدوات البطش والتزييف. وفي كلّ مرة كان يظنّ أنّه اقترب من النيل منها، كانت الحقيقة تنهضُ من بين الرماد، وتولد الثورةُ من رحمِ الخيام، ويشتدّ الحنين نضالًا وإرادةً ورفضًا، حتى باتت النكبة برمزيتها وقودًا لمعركة الصمود، لا شهادةَ موتٍ كما أرادها المشروع الصهيوني.

واليوم، وفي ظلّ هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ قضيتنا، تحلّ ذكرى النكبة وقطاع غزة الأبيّ يتعرّض لحرب إبادة جماعية ممنهجة، لا تستثني بشرًا أو شجرًا أو حجرًا، يستهدف فيها الاحتلال أساسَ الحياة، ووجودَ الإنسان، ودورةَ الزمن، وينسف من خلالها كلَّ قيم ومبادئ القانون الدولي والضمير الإنساني، في مشهدٍ يجسّد امتدادًا لنكبة العام 1948، وتكريسًا لطبيعة هذا الكيان الغاصب القائم على التطهير العرقي والقتل الجماعي ونفي الآخر. لكنّ غزة الحبيبة لا تنفكّ تسطّر بدماء شهدائها الطاهرة ملحمةً وطنيةً تُعيد صياغة الوعي، وتثبتُ أنّ تشبّث أبنائها بالحياة أقوى من آلةِ القتل.

وفي الضفة الغربية، يسير المشروع العنصريّ الفاشيّ ذاته، حيث تسابق آلةُ الاستيطان والاغتيال والهدم الزمنَ، لتكريس واقع الفصل العنصريّ والضمّ القسريّ، في محاولةٍ لإخماد جذوةِ الصمود والمجابهة والاستبسال، التي لا تنطفئ في محافظات الضفة وغيرها من ساحات المواجهة. فيما يواصل الاحتلال حربه التهويدية الشرسة على القدس ومقدساتها، عبر استهداف بنيتها الديموغرافية، ومحاولة اجتثاث روحها الفلسطينية، وتزوير تاريخها العربي، وتكريس سيطرته على مقدساتها الإسلامية والمسيحية. لكنّ القدس تبقى صامدةً في وجه آلة التهويد الإسرائيلة، تحرس هويّتها الوطنية بحناجر أبنائها، وأصوات مآذنها وكنائسها، وإرثها المتجذّر في عمق التاريخ.

أمّا في الشتات، وتحديدًا في لبنان، حيث يتجرّع أبناء شعبنا مرارة التهجير واللجوء منذ النكبة، فإنّ مخيماتنا تبقى قلاعًا للصمود، وخنادقَ للوعي الوطني، وحاضنةً للذاكرة الجماعية، وعنوانًا لرفض كلّ مشاريع التوطين، وتجسيدًا حيًّا للتمسّك بحقّ العودة.

وفي ظلّ تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على أرضنا، وتزايد التحديات التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني اللاجئ، تكتسبُ الزيارة المرتقبة لسيادة الرئيس محمود عبّاس إلى لبنان، في الحادي والعشرين من أيار الجاري، أهمية وطنية كبيرة، تحمل في طيّاتها رسالةً بالغةَ الدلالة إلى شعبنا في لبنان، مفادُها أنَّ قيادتنا الفلسطينية حاضرةٌ حيث يكون أبناء شعبها، وأنّ قضية اللاجئين كانت وستبقى أولوية وطنية لا تراجع عنها، وأنّ كلّ مشاريع التصفية أو التوطين والمساس بحق العودة مرفوضة، وأنّ مخيمات الصمود جزءٌ لا يتجزّأ من المعادلة الوطنية ومعركة التحرير.

 

يا جماهير شعبنا الصامد، 

إنّ حركة "فتح"، التي رأت في النكبة نداءً للثورة، ووُلدت من رحم الجراح لتقود مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، تؤكّد اليوم أنّ ذكرى النكبة هي يوم وطني بامتياز، تُستحضَر فيه العِبر، وتُجدَّد فيه العهود، وتُرسَّخ فيه الثوابت التي لا تقبل المساومة، وفي طليعتها أنّ فلسطين أرضُ الآباء والأجداد، وأنّ لا بديلَ عن العودة، ولا شرعيةَ فوق ترابنا إلا لشعبنا الفلسطيني، صاحبِ الحق والتاريخ والانتماء.

إننا في إعلام حركة "فتح" ـ إقليم لبنان، وإذ نُحيي اليوم الذكرى السابعة والسبعين للنكبة، في ظلّ واحدة من أعقد وأخطر المراحل التي تمرّ بها قضيتنا، نؤكّد أنّ ما بدأ في النكبة لم ينتهِ، وأنّ المشروع الصهيوني لا يزال يتغذّى على الدم الفلسطيني، وأنّ قدرنا الوطني الذي تفرضه هذه اللحظة التاريخية، هو أن نتمسّك بصون هويتنا الوطنية، والإيمان بأهمية وحدتنا الفلسطينية، وتحصين مشروعنا السياسي، والوقوف خلف شرعيتنا الوطنية الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتنا الوطنية، وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، الذي يخوض معركة الثبات على الثوابت، رغم كلّ الضغوط والمؤامرات.

في ظلّ التحديات المتعاظمة التي تواجه شعبنا، نؤكّد أنّ الوحدة الوطنية هي السدُّ المنيع في وجه كلّ محاولات التصفية والتجزئة والتهجير. فبوحدتنا نحمي القرار الوطني المستقل، ونعزّز صمود شعبنا في الوطن والشتات، وبوحدتنا نجعل من نكبتنا حافزًا للنهوض، لا مدخلًا للانقسام. إنّ حركة "فتح" كانت وستبقى الداعية الأولى لوحدة الصف، ومدّ الجسور، وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق كلّ اعتبار، تحت مظلّة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.

في ذكرى النكبة، نُجدّد العهد والقسم بأن تبقى فلسطين البوصلة، وأن نبقى الأمناء على الرواية والحلم والمشروع الوطني الفلسطيني، وعلى الثوابت والكلمات التي حملها الشهيد الرمز ياسر عرفات بندقيةً وغصنَ زيتون، لا نُسقِطُ حقًّا، ولا نُبدُّد ذاكرة، ولا نُساوم على دم شهيد، أو صبر أسير، أو وجع لاجئ، وأن نواصل مسيرةَ النضال حتى رفع رايات فلسطين خفّاقةً على أسوار عاصمتنا الأبدية، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، والعودة المظفّرة إلى أرضنا الطاهرة.

المجدُ والخلودُ لشهدائنا الأبرار 

والحريةُ لأسرانا البواسل 

والشفاءُ لجرحانا الميامين

وإنّها لثورةٌ حتى النّصر والعودة