في لحظة فلسطينية حرجة تتكالب فيها الضغوط الدولية والداخلية، تبرز محاولات أميركية لاستدراج بعض الفصائل، وعلى رأسها حركة "حماس"، إلى مربعات تفاوضية خادعة، تُفرغ المقاومة من مضمونها، وتُعيد تدوير الوهم السياسي على حساب وحدة الموقف الوطني وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة.
ما جرى مؤخرًا من تواصلٍ غير مباشر بين حركة "حماس" والإدارة الأميركية، تحت ذرائع إنسانية أو تفاوضية، لا يمكن قراءتها خارج سياق السياسة الأميركية المؤدلجة، التي ما زالت متمسكة بمنطق الهيمنة وإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم أمن "إسرائيل" أولاً، ومصالح واشنطن ثانيًا.
لقد روّجت الإدارة الأميركية لانخراطها "الإنساني" في ملف غزة عبر ما سمّته "إنجازًا" تمثل في إطلاق سراح جندي محتجز مزدوج الجنسية (أميركي-إسرائيلي)، بينما الواقع أن هذه الخطوة منحت واشنطن فرصة لإعادة الدخول إلى المشهد الفلسطيني كطرف فاعل وموجّه، لا كوسيط نزيه، وكأنها لم ترعَ سابقًا صفقة القرن، ولم تبارك نقل السفارة إلى القدس، أو تسكت على الإبادة الجارية في غزة منذ أزيد من تسعة عشر شهرًا.
وقوع حماس في هذا الفخ لا يُضعف فقط موقعها السياسي، بل يشرعن تفكيك الحالة الوطنية، ويمنح الاحتلال غطاءً إضافيًا لاستكمال سياساته في الضفة وغزة والقدس.
فالسياسة الأميركية لا تنظر إلى الفصائل الصغيرة أو المنفردة إلا كأدوات وظيفية، لا كشركاء في رسم معادلات المستقبل.
الخطر الحقيقي يكمن في التعامل مع أميركا كحليف ممكن، أو كوسيط محايد، وهي التي أثبتت مرارًا أنها جزء من المشكلة، لا من الحل.
وما يُمكن البناء عليه فلسطينيًا ليس وعود واشنطن، بل وحدة وطنية شاملة تستعيد زمام المبادرة وتغلق أبواب التوظيف السياسي والأمني للقضية.
لقد بات من الضروري أن تعي القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، أن الانفراد بالقرار، والانخداع بلغة المصالح، لن يُنتج إلا مزيدًا من التفكك والتنازلات.
أما الخلاص، فهو في العودة إلى الشعب، وإلى المشروع الوطني الجامع، الذي وحده يُحبط الخديعة ويصنع الطريق نحو التحرير والذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف به عربيًا ودوليًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها