إن التوترات غير المسبوقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تتصاعد إلى صدام "مزلزل"، متجاوزةً أزمة مؤتمر مدريد بين الرئيس الأميركي جورج بوش الأب ورئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شامير.
لأن الخلاف ينبع من تعارض سلم الأولويات الأميركية مع الأولويات الإسرائيلية، مما يضع نتنياهو أمام خيارات صعبة قد تدفعه إلى "قلب الطاولة" عبر تصعيد خطير مثل مهاجمة أهداف نووية أو اقتصادية إيرانية أو تنفيذ اغتيالات غير عادية، حال انتظرته بطاقات صفراء أخرى اضافية قد تصل إلى بطاقة حمراء مزلزلة.
إن الأولويات الإسرائيلية الحالية تشمل القضاء على حركة حماس، واسترجاع المحتجزين الإسرائيليين، وتوجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني، وأخيراً التوصل إلى تفاهم تطبيعي مع دول الخليج.
وفي المقابل، تركز الأولويات الأميركية على إبرام صفقة اقتصادية وأمنية استراتيجية مع دول الخليج، واستنفاذ الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وتهدئة البؤر الساخنة في سوريا ولبنان وفلسطين.
هذا التعارض، دفع ترامب إلى رفع "بطاقتين صفراء" لنتنياهو: الأولى خلال استدعائه للبيت الأبيض لمناقشة المباحثات الإسرائيلية- الإيرانية، والثانية عند إبرام اتفاق مع الحوثيين لوقف الهجمات المتبادلة دون التنسيق مع إسرائيل، مما اعتبره نتنياهو تجاوزاً استراتيجياً.
إن الأزمة الحالية تختلف عن سابقاتها، لأنها تأتي من موقع ضعف أميركي، حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى تحسين اقتصادها، وصفقات مع السعودية، وتهدئة الشرق الأوسط، ودبلوماسية متقدمة في الملف الإيراني.
إن عدم تماهي نتنياهو مع رؤية ترامب قد يضر بالمصالح الأميركية الاستراتيجية إقليمياً ودولياً، كما يتضح من الاتفاق الأميركي- الحوثي الذي تم دون مراعاة الموقف الإسرائيلي.
إن خيارات نتنياهو شبه معدومة داخلياً وخارجياً، إذ إن التخلي عن مظلة ترامب يعرض إسرائيل لمخاطر محلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة.
لذا فأنا أرجح استمرار التوتر قد يدفع ترامب إلى رفع "بطاقة حمراء" تتمثل بفرض صفقة حول غزة لا ترضي إسرائيل، مما يضع نتنياهو أمام خيارين: إما التضحية بائتلافه ومستقبله السياسي، أو "قلب الطاولة" عبر تصعيد خطير ضد إيران وهو أمر مرجح.
فشخصية ترامب، المعروفة بتقديس الولاء له وعدم التلاعب السياسي به من وراء الظهر وردود الفعل الحادة له، تجعل الصدام المحتمل أكثر حدة من أي أزمة سابقة، بما في ذلك إذلال نتنياهو بما يتجاوز مع ما حدث مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
نتنياهو، بدافع الحفاظ على ائتلافه وإيديولوجيته اليمينية المتطرفة ومصالحه الشخصية، قد يلجأ إلى خيارات جذرية لإعادة خلط الأوراق وربما توجيه ضربات لإيران وتنفيذ اغتيالات داخلها، مما يهدد بتفجير الوضع الإقليمي. فهذه الأزمة، بما تحمله من طابع شخصي واستراتيجي، تمثل نقطة تحول قد تعيد تشكيل العلاقات الأميركية- الإسرائيلية بشكل غير مسبوق. فمعركة ترامب ضمان إرثه واسترتيجيته للتهدئة وجائزة نوبل للسلام، ومعركة نتنياهو معركة بقاء وإلا فسيكون السجن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها