الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة

الأسير المُحرَّر جمال أبو محسن (07)

تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

في عام 2014 تم الإفراج عني.. كان يوم الإفراج من أجمل الأيام في حياتي، لقد سمعتُ اسمي عبر المذياع. كانت فرحة كبيرة، شعرت بأن الدنيا لا تسعني.. لم أكن مُصدّقًا بأنني سأتحرّر بعد حكمٍ عليّ بمدى الحياة، وقضائي 23 عاما في سجون الاحتلال.
بعد الإفراج عني وعن مجموعة من الأسرى، استقبلنا الرئيس الفلسطيني الأخ "أبو مازن" ومجموعة من أعضاء القيادة الفلسطينية، كان ذلك تكريما لنا ولتضحياتنا.. وكان وقع الفرحة كبير جدا، فقد كان هناك استقبال شعبي يليق بالأسرى، فكل أسير له من يستقبله بالدموع والزغاريد والكثير من الحب والاحتواء.
لم أنسَ يومًا أمي وأبي، فأول ما قمت به بعد خروجي من السّجن هو التوجّه إلى زيارة قبريهما والترحّم عليهما، وكم ذرفت الدموع وأنا أستحضر صبرهما وصلابتهما في مواجهة آلام ومواجع الفقد ولوعة الفراق.. الله يرحمهما برحمته الواسعة ويرحم الآباء والأمهات من أبناء الشعب الفلسطيني الأبيّ.
في عام 2004 تم زواجي، هذا الزواج الذي لا يمكن سماعه إلا في قصص الأساطير، لكنك كفلسطيني أنت بذاتك أسطورة العصر والمكان والزمان، بقاؤك على قيد الحب والإنسانية هو بقاء أسطوري في الصراع ضد هذا المحتل الذي لا يعرف شيئا إلا الدم واغتصاب الأرض. لقد تزوجت من فتاة أحببتها وأنا في سجني، أحببتها فكانت الحياة أين لا يوجد هناك حياة. لقد كان حلما صعب تحقيقه بالنسبة لي لكنه تحقق.
قصّتي تذكرني بفيلم "حب في الزنزانة" لكنها قصة من واقع الحياة.. الحلم الذي تحوّل إلى قصة حقيقية.. بعد عام من تحرُّري، ارتبطت بالفتاة التي رأيتها عبر شاشة التلفاز، طلبت يدها والحمد الله كانت من نصيبي. كنت دوما أقول لها: لم أكن أتوقع بأنك ستكونين زوجتي، وعندما فكرت بالارتباط بك وأنا في السجن - وكنت آنذاك محكوما بالسجن المؤبد - كان وكأنه خيالا وأمنية بعيدة المنال.. فلا قدرة فوق قدرة الله، ولن يذهب منك ما كتبه الله لك.. الأسير أيضا هو إنسان يشعر بالحب ويريد الاحتواء والأمان والطمأنينة، ولديه أحاسيس ومشاعر إنسانية..
كانت الحياة هادئة نسبيا، ومرّ وقت طويل حتى تعوّدتُ على حياتي الجديدة خارج السجن، لكن الله بكرمه وفضله رزقني طفلين من زواجي هما: إياد، أيلول. أمّا "إياد" فقد أطلقت عليه هذا الاسم تيمُّنًا بالشهيد القائد "صلاح خلف" (أبو إياد). وأمّا "أيلول" فقد أسميته نسبة إلى "أيلول الأسود". ثم رزقني الله ببنت أسميتها "مريم" تيمّنًا بسيدة النساء أمي رحمها الله، غير أنّ قدّيستي الصغيرة "مريم" اختارها الله إلى جواره بعد أربع سنوات من ولادتها.
زوجتي وشريكة عمري "أم إياد" ساعدتني وشجّعتني ودعّمتني عبر كل مراحل حياتي بعد تحرّري من سجون الاحتلال. شجعتني على إكمال دراستي في الدكتوراه، كما ساعدتني في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.. كانت ولا تزال بفضل الله سندا لي وشريكة عمري وحياتي.