مرحلة حساسة ومعقدة تمر بها قضيتنا الوطنية على ضوء سياسات الاحتلال لإلغاء وطمس كل ما هو فلسطيني، من خلال التدمير والقتل في أرض الميدان، وتقويض عمل السلطة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. لكن الإرادة الفلسطينية تبقى أقوى وأمتن من كل هذه السياسات. وللاطلاع على آخر تطورات المشهد السياسي والميداني، استضافت الإعلامية  زينب أبو ضاهر عبر الزوم من رام الله الكاتب والمحلل السياسي الدكتور فادي أبو بكر.

استهل أبو بكر حديثه بالتأكيد على رمزية وأهمية انعقاد جلسة الحكومة الفلسطينية في مدينة جنين، معتبرًا أنها تحمل أبعادًا سياسية ووطنية كبيرة، خاصة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المكثف لشمال الضفة الغربية، وخصوصًا جنين وطولكرم، على مدار الأشهر الأربعة الماضية.

ورأى أن انعقاد الجلسة هناك يُعد فعلًا مقاومًا سياسيًا وإداريًا في مواجهة مشروع الاحتلال الذي يسعى لتفريغ المنطقة من سكانها وإعادة تشكيل الضفة الغربية جغرافيًا وديموغرافيًا. كما أن وجود الوزراء على الأرض يؤكد على تمسك الحكومة بالسيادة الرمزية ورفض سياسات الاحتلال الرامية إلى خلق فراغ إداري.

وأشار إلى أن إعلان الحكومة عن حزمة مشاريع تنموية في مجالات المياه والبنية التحتية والمساعدات يبعث برسالة واضحة مفادها أن السلطة مستمرة في أداء دورها رغم محاولات إضعافها، ولن تسمح بأن يُملأ الفراغ من قبل الاحتلال أو من خلال ما يُسمى بالإدارة المدنية.

كذلك، وجّهت الجلسة رسالة للمجتمع الدولي تؤكد وجود جهة فلسطينية شرعية فاعلة تستحق الدعم لا التهميش، ودعت إلى تحمّل المسؤولية الدولية من خلال تعزيز الوجود الدبلوماسي، وفتح المنطقة أمام الوفود الدولية، في سياق مواجهة العزلة التي تسعى إسرائيل لفرضها على شمال الضفة الغربية.

تناول المتحدث ما وصفه بمخطط إسرائيلي ممنهج يستهدف شمال الضفة الغربية، يهدف إلى تقليص عدد السكان الفلسطينيين إلى النصف، وشطب المخيمات كرمز سياسي وتاريخي، ما يعني عمليًا شطب حق العودة. وأكد أن الاحتلال يسعى لإعادة تفعيل الإدارة المدنية الإسرائيلية، في محاولة لإعادة الفلسطيني إلى حالة الخضوع، وتجريده من إرادته وهويته الوطنية.

وأوضح أن الاحتلال يوجّه السكان نحو التعامل المباشر مع الإدارة المدنية الإسرائيلية برسالة مفادها: “إذا أردت حياة أفضل، تخلَّ عن هويتك الفلسطينية وتجاوز السلطة الفلسطينية”. وأضاف أن الضغوط الاقتصادية الممارسة على السلطة الفلسطينية تصب في هذا الإطار أيضًا.

وأشار إلى أن التوسع الاستيطاني لم يعد يقتصر على مراكز كبيرة، بل أصبح يعتمد على إنشاء بؤر استيطانية متفرقة تُربط لاحقًا بمخططات ضخمة، في محاولة لتفتيت الجغرافيا الفلسطينية وإجهاض مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.

واعتبر أن هذا المخطط يستهدف تقويض السلطة الفلسطينية، بصفتها نواة الدولة، تمهيدًا لإحلال بدائل خدماتية مكانها. لكنه شدد على أن رسالة الفلسطينيين كانت واضحة: لن تُقبل أي بدائل غير فلسطينية، والتمسك بالهوية والسيادة الوطنية هو الخيار الوحيد.

أشار أبو بكر إلى أهمية الآراء الاستشارية والقرارات الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية، معتبرًا أنها تعزز المخزون القانوني وتثبت الحقوق الفلسطينية نظريًا، وتضمن عدم سقوطها بالتقادم. لكنه أكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، وعدم فاعلية المنظومة الدولية الحالية.

وأوضح أن آليات المحاسبة الدولية، خصوصًا عبر مجلس الأمن، رهينة لحق النقض (الفيتو) الذي تحتكره خمس دول، ما يجعل مصير الشعوب، بما فيها الشعب الفلسطيني، مرهونًا بمصالح تلك الدول.

وأضاف أن الجهود الدبلوماسية الفلسطينية مستمرة، خاصة في ما يتعلق بإعادة طرح قضايا الإبادة الجماعية والمساعدات الإنسانية على مجلس الأمن، لكن هذه الجهود تصطدم دومًا بالفيتو الأميركي، وبدعم إدارة ترامب المطلق لحكومة نتنياهو ومشاريعها الاستيطانية والتهجيرية.

مشددًا على أن الرهان يبقى على استمرار النضال الفلسطيني في مختلف المسارات القانونية، والدبلوماسية، والشعبية حتى تتفوق الإرادة الدولية على مصالح القوى الاستعمارية المهيمنة.

أوضح أبو بكر أن رفض الأمم المتحدة للآلية الإسرائيلية الأميركية الجديدة بشأن المساعدات الإنسانية يعود إلى خطورتها باعتبارها تحولًا جذريًا في توظيف الإغاثة كأداة صراع وهيمنة جيوسياسية. وأشار إلى أن هذه الخطة تأتي في إطار استراتيجية أميركية–إسرائيلية أوسع، تستهدف تقويض وكالة الأونروا وتهيئة مرحلة “ما بعد الأونروا”، وهي سياسة بدأت منذ عام 2018 في عهد ترامب الأول، واستُكملت لاحقًا بإجراءات تشريعية إسرائيلية وتصريحات أميركية عن البحث عن بدائل للوكالة.

وأكد أن هذه البدائل تشمل شركات أمنية أميركية، في محاولة لإعادة تموضع أميركي إقليمي لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، وللسيطرة على الملف الإنساني في المنطقة.

وفي السياق الفلسطيني، شدد على أن هذه الخطة تُستخدم كأداة ضغط وابتزاز سياسي، وقد تقود إلى تهجير ناعم لسكان غزة، من خلال نقلهم قسرًا إلى مجمعات محددة للحصول على المساعدات. واعتبر أن هذا جزء من مخطط أكبر لعزل سكان القطاع، تمهيدًا لإعادة احتلاله وفرض إدارة إسرائيلية دائمة، سواء كانت مدنية أو عسكرية.

أشار أبو بكر إلى أن تصريحات لمسؤولين إسرائيليين تفيد بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منح الاحتلال الضوء الأخضر للتصرف بحرية في قطاع غزة. ويرى أن إعلان توسيع العدوان على غزة والضفة يأتي ضمن محاولة إسرائيلية للإسراع في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف التوسعية قبل فرض تسويات سياسية أو إقليمية محتملة.

وأوضح أن هذه الخطوة ترتبط بسياقات دولية أوسع، مثل المفاوضات الأميركية الإيرانية، والحرب في أوكرانيا، والتحضيرات لمؤتمرات إقليمية، بما فيها ما يتعلق بالسعودية، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى لتحقيق مكاسب ميدانية قبل أن تُفرض عليها ضغوط سياسية دولية لوقف الحرب.

وأضاف أن حكومة نتنياهو تستغل أي ذريعة، بما في ذلك التصعيد في لبنان وسوريا، واستخدام الطائفة الدرزية كمبرر لتبرير تدخلات عسكرية بدوافع “إنسانية” زائفة.

وختم بالتحذير من أن المنطقة مقبلة على مرحلة صعبة في الأسابيع المقبلة، وأن إسرائيل تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية، لذا تسعى لتثبيت واقع استعماري جديد على الأرض الفلسطينية قبل أن تُفرض عليها استحقاقات سياسية إقليمية ودولية.