حين يعجز الاحتلال عن ضبط ساعاته السياسية، يشعل الحرب لتأجيل الانفجار الداخلي. وفي لحظة يتصدع فيها الخطاب، يصبح العدوان وسيلة للهروب إلى الأمام. هكذا تبدو إسرائيل اليوم، توسيع عسكري بلا أهداف معلنة، وانقسام داخلي يمتد من القيادة إلى الشارع، وكارثة إنسانية تتفاقم في غزة، مقابل مشروع تهويدي يتمدد في الضفة الغربية. فما هي طبيعة المرحلة التي نعيشها؟ هل نحن أمام نهاية مشروع سياسي، أم إعادة إنتاج له بأدوات أكثر دموية؟ وماذا تعني خطة مركبات جدعون؟ أسئلة ناقشتها الإعلامية ريم مشيرفي في حلقة خاصة عبر قناة فلسطيننا، مع أستاذة العلوم السياسية الدكتورة أريج جبر.

بداية أكدت جبر أن الكيان الإسرائيلي يمر بحالة تفكك داخلي وصراع على النفوذ بين أقطاب الحكم، وسط غياب رؤية استراتيجية واضحة، ما يدفعه إلى ردود فعل غير محسوبة وتصعيد دموي متواصل، خاصة في قطاع غزة، الذي بات ساحة لحرب مفتوحة تترافق مع محاولات تهويد الضفة الغربية والقدس. هذا التصعيد يعكس تنافساً سياسياً محموماً بين نتنياهو وسموتريتش، حيث يسعى كل منهما لإثبات أنه صاحب اليد العليا في إدارة العدوان. وفي هذا السياق،  شددت حبر أن  نتنياهو يحاول تبرير توسيع العدوان تحت مسمى “حرب القيامة”، التي تستهدف الجميع بلا استثناء، لكنه في تصريحاته الأخيرة يحاول تلطيف فكرة التهجير عبر الإيحاء بأنه يسعى لحماية المدنيين، بينما الواقع يشير إلى مخطط لتدمير قطاع غزة وتحويله إلى أرض محروقة.

 واشارت جبر إلى أن المعطيات تشير أن القيادة العسكرية الإسرائيلية، ممثلة برئيس هيئة الأركان الحالي والسابق، تُقرّ بعدم قدرة القوة العسكرية وحدها على تحقيق أهداف الحرب منذ بدء عملية السابع من أكتوبر، في ظل مغامرة غير محسوبة تُهدد حياة الجنود والضباط. ورغم ذلك، شهد الخطاب العسكري مؤخراً تحولاً ليتماشى مع توجهات نتنياهو، الذي يسعى لتحميل المؤسسة العسكرية مسؤولية فشل السابع من أكتوبر، ويخطط لتوسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة عبر تحويل وحدات من الضفة وحدود لبنان إلى القطاع. ورغم السيطرة الفعلية على غزة، يسعى الاحتلال لتكثيف التوغل البري ضمن خطة “عربات جدعون” التي قد تُرهق الجيش مالياً وعسكرياً، إذ تُقدّر تكلفة الحرب اليومية حالياً بـ60 مليون دولار. في المقابل، يبرز تراجع في الحديث عن مصير المحتجزين، وسط اعتراف ضمني بفشل استراتيجيات الحصار والتجويع، مما يدفع الاحتلال نحو تصعيد دموي أوسع يرقى إلى ما يشبه “محرقة شاملة” للقطاع.

وأضافت جبر، أن زيارة ترامب المقبلة للمنطقة ستركّز، على الملف الفلسطيني، الذي يُتوقع أن يكون على رأس أولويات اللقاءات العربية-الأمريكية. مشددةً، إذا عجزت الدول العربية عن الضغط على ترامب لاتخاذ موقف حاسم، فستفقد قيمتها الإقليمية، وتتحول إلى أدوات لاستنزاف اقتصادي وعسكري. وأكدت على أن ترامب يسعى من خلال زيارته إلى إعادة صياغة التحالفات في المنطقة، بمشاركة دول ترى نفسها قوى مؤثرة في الملف الفلسطيني كقطر، الإمارات، السعودية، وتركيا.

وتابعت، المرحلة المقبلة تحمل خطر تكريس الإجراءات الأحادية الإسرائيلية، مستفيدين من الدعم الأميركي، ما قد يؤدي إلى وقف مؤقت للعدوان فقط خلال زيارة ترامب، يعقبه تصعيد أكبر وأكثر اتساعًا.

وشددت على أن هذه الرحلة المؤلمة، تمثل اختبارًا للإنسانية والعروبة، وتستلزم تحركًا عربيًا جادًا لإنقاذ القضية الفلسطينية، بدءًا من وقف التهجير، مرورًا بإنهاء التجويع في غزة، وصولًا إلى حماية الأسرى الفلسطينيين من التنكيل.ً

ترى جبر أن الكيان الإسرائيلي، منذ مؤتمر بازل، انتقل من الحديث عن “وطن” إلى “دولة”، واليوم يروّج لمشروع “إسرائيل الكبرى” القائم على التمدد الجغرافي والسياسي، مما يستدعي وحدة وطنية فلسطينية وتكاملًا في أدوات النضال بين المقاومة المسلحة والدبلوماسية، مع تمسك صارم بحقوق الشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية. وفي مواجهة هذا المشروع، تؤكد على ضرورة تحرك عربي جاد لوقف مشاريع التطبيع المتوقع استئنافها برعاية ترامب، وقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل إلى حين وقف العدوان على غزة، ختمت حديثها مؤكدةً أن القضية الفلسطينية لا يمكن اختزالها في بعدها الإنساني فقط، بل هي قضية تحرر وحق تقرير مصير.