بقلم: ريم سويسي

باتت التكايا التي شكلت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ملاذًا أخيرًا لعشرات آلاف الأسر الجائعة، هدفًا مباشرًا للقصف، في جريمة تعكس تعمّد الاحتلال توسيع أدوات الإبادة الجماعية لتشمل مراكز إطعام الفقراء والمحتاجين.

وقف سعيد الغف (54 عامًا) حائرًا أمام طوابير النساء والأطفال، معلنًا وقف عمل "التكية" التي يشرف عليها، بعد نفاد المواد التموينية واستهداف الاحتلال لمراكز مماثلة في مناطق عدة.

وقال الغف: "هذه التكية كانت تقدم وجبات يومية لما لا يقل عن 400 مواطنًا. واليوم، نقف عاجزين أمام هذا الحجم من الحاجة. الاحتلال لا يكتفي بإغلاق المعابر ومنع المساعدات، بل يواصل قصف التكايا في محاولة لتجويع شعبنا وإرغامه على الانهيار".

وفي شارع الجلاء وسط مدينة غزة، قُصفت "تكية قوافل الخير" التابعة لإحدى الجمعيات الخيرية، ما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، بينهم متطوعون كانوا يقدمون الطعام للفقراء والمحتاجين، أحد الشهداء كان محمود المقيد (40 عامًا)، الذي فقد حياته أثناء توزيع وجبات الطعام.

يقول عمه شعبان المقيد: "كان محمود يؤمن بأن الطعام حق لكل إنسان، وكان يقول إن الجوع لا ينتظر. الاحتلال يحاربنا في لقمتنا، في بقايا الحياة التي نحاول حفظها وسط هذا الدمار".

بحسب مصادر محلية مطّلعة، فقد تم استهداف أكثر من 60 تكية طعام ومركز توزيع مساعدات في أنحاء متفرقة من القطاع، فيما خرجت نحو 80% من هذه المراكز عن الخدمة بسبب القصف أو شح الموارد، في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات.

ويقول أسعد البشير (64 عامًا)، وهو مشرف على تكية: "نعمل في ظروف لا إنسانية تماما، في الأيام الأخيرة، لم نعد نقدم وجبات كاملة، بل مجرد حساء بالكاد يسد الرمق".

وحذرت مصادر طبية في قطاع غزة من تفاقم الأزمة الغذائية، خاصة مع تسجيل حالات إغماء وهزال حاد في صفوف الأطفال، نتيجة سوء التغذية ونقص الماء النظيف. وتشير التقديرات إلى أن القطاع يواجه خطر المجاعة الشاملة في ظل الحصار الكامل المستمر منذ أشهر.

تُظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى 68%، فيما تؤكد تقديرات البنك الدولي أن 100% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.

ويجمع نشطاء ميدانيون على أن استهداف التكايا ليس مجرد أضرار جانبية في الحرب، بل سياسة ممنهجة لإخضاع سكان غزة عبر سلاح التجويع، في جريمة تتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية.