باتتِ المدينةُ تَرزَحُ ...
تحتَ حُكمِ ثلاثِ قَدّيساتٍ عجائزْ ...
القديسةُ "اضطهاد"
تُحكمُ القبضةَ على الحُرّيةِ، ..
تَخنقُ النبضَ في القصيدةِ، ..
وتَشنقُ الأسئلةَ على مشانقِ التقاليدْ ...
***
القديسةُ "تزمّت" ...
تَغسلُ الوجوهَ بلونٍ واحد، ..
تَصنعُ من القَيدِ قانونًا، ..
ومن الصمتِ مِحرابًا، ..
وتَرفعُ فزّاعةَ الدِّينِ في وجهِ الحياةِ النابضةْ ...
***
القديسةُ "اشمئزاز" ...
تُشهرُ سلاحَ الطُّهرِ الكاذبْ، ..
تَشمئزُّ من الضحكةِ، ..
وتَنفرُ من الجمالِ، ..
وتَرجمُ كلَّ من لا يُشبهها ..
بنظراتِ الشكِّ والازدراءْ ...
***
في ظِلّ هذا الثالوثِ المريضْ، ...
يَنتشي التافهونَ ...
يُقحمونَ أنوفَهُم ..
في خصوصياتِ الناسِ باسمِ الفضيلة، ..
كأنّ انتهاكَ الحريةِ صارَ بطولةً، ..
وكأنّ السُّقوطَ في أعراضِ الآخرينَ مَكرُمةْ...
***
لكن، ..
ابنُ خَلدونَ ما زالَ يقولُ:
"لابُدَّ من إعمالِ العقلِ في الخبرْ"، ...
غير أنَّهم يُمرِرونَ الروايةَ ..
كما تُمرّرُ الشائعاتُ في المقاهي، ..
كأنّ العقولَ مُعطّلة، ..
والألسنَ أوتادٌ تَثبُتُ بها الخِرافةْ ...
***
أواهِ يا مدينتي ...
ما عُدتِ مدينتي، ..
صرتِ خِدعةً جميلةً، ..
فيها الوجوهُ مُزيفةً، ..
والشوارعُ مرآةٌ للخيبةِ، ..
والقُداسةُ تُمنحُ لمن يَسجُنُ الحُلم، ..
ويُطفئُ نورَ الفِكرْ ...
***
ورغمَ العتمة، ...
هناكَ مَن يَقاومُ بالسؤالْ، ..
مَن يُشهرُ قلمهُ سيفًا، ..
ويَحفُرُ في الصخرِ ..
ليكتبَ نَجمةً تُضيءُ الزّمانْ ...
***
هو الشاعرُ والباحثُ ..
الذي يؤمنُ أنّ الكلمةَ وطن، ..
وأنّ الصَّوتَ ولادة، ..
وأنَّ السكوتَ على القهرِ ..
خيانةٌ للضوءْ ...
***
هو وحدهُ، ..
لكنه يحملُ في نبضِه آلافَ الصادقين، ..
وفي حنجرتِه ..
زغاريدَ الحقيقةِ المكبوتة، ..
وفي دفاترهِ يقظةُ الوعي، ..
وصيحةُ أنْ لا نَركعْ، ..
ولا نُسلّمَ المدينةَ ..
لثلاثِ عجائزَ يحكمنَ باسمِ العَدمْ ...
***
فلنُعد للعقلِ مكانتَه، ..
وللكلمةِ سُلطتَها، ..
وللحريةِ معناها، ..
قبلَ أن نصحو على مدينةٍ ..
لا نَعرفُ مَن بناها، ..
ولا لماذا اقتفينا آثارَ خُدعتها ...
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها