في خضم التصدي لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين القسري من قطاع غزة، في مؤتمره الصحفي مع بنيامين نتنياهو فجر الثلاثاء الماضي، جاءت الدعوة المصرية الهامة لعقد قمة عربية طارئة بعد التفاعل مع دولة البحرين، التي تتولى رئاسة القمة في الدورة الحالية، ومع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبعد إجراء مشاورات مكثفة مع الدول العربية خلال الأيام الماضية، بما في ذلك مع دولة فلسطين، التي قدمت طلبًا رسميًا لعقد القمة بهدف بحث المستجدات الخطيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية. والتي ترافقت مع دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير في اجتماعه التشاوري أول أمس السبت 8 شباط/فبراير الحالي في مدينة البيرة، كخطوة ضرورية وهامة في تمثل الأشقاء العرب لدورهم في دعم الشعب الفلسطيني، وتجذرهم في ترابهم الوطني، والتصدي لأكبر وأخطر عملية تطهير عرقي يمكن أن تستهدفهم، وتتجاوز في أخطارها وتداعياتها النكبة الكبرى عام 1948، ولوأد ارتداداتها على الدول والشعوب العربية. لا سيما وأن الرئيس الـ47 للولايات المتحدة طالب كل من مصر والأردن لاستقبال المهجرين قسريًا في حال نجحت خطته الإبادية الجديدة، ثم دعا لتهجيرهم إلى أرض الصومال والمغرب، وتلا ذلك دعوة رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بنيامين نتنياهو لإقامة دولة لهم في المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول كخيارات لتكريس الخطوة الجهنمية.
وبعيدًا عن تشخيص دعوة الرئيس الأميركي وأخطارها الفلسطينية الكارثية، فإنها تستهدف الدول العربية الشقيقة بشكلٍ مباشر، وتهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي على حدٍّ سواء، الأمر الذي حتم الدعوة الطارئة للقمة العربية في 27 شباط/فبراير الحالي، وعشية الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، وتعكس حرص الدول الشقيقة منفردة ومجتمعة للتداعي والتشاور واستخلاص الدروس والعبر الضرورية من الدعوة غير المسؤولة للرئيس الأميركي، والمتناقضة مع أبسط معايير القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والمعاهدات الأممية وخاصة معاهدات جنيف الأربع. وتتناقض مع سياسات ترمب نفسه، الذي اتخذ قرارًا مباشرًا بعد توليه الحكم في 20 كانون الثاني/يناير الماضي بطرد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة إلى بلدانهم الأصلية، وفي الوقت نفسه يدعو إلى تهجير الفلسطينيين من أرض وطنهم الأم، مدعيًا الحرص عليهم، على اعتبار أن قطاع غزة لم يعد صالحًا للسكن، وأيضًا في تناقض فاضح وصارخ، يدعو لتحويل القطاع لريفيرا الشرق الأوسط، وإسكان غرباء مكانهم، باعتبار ما دعا له من جريمة نكبوية جديدة "صفقة عقارية"، في استهتار جنوني بحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وتهديد أمن وسلامة الأنظمة العربية.
وحتى تنجح القمة العربية الطارئة في صد الهجمة الخارجة على القانون، تفرض الضرورة اتخاذ قرارات ترتقي إلى مستوى التحدي الخطير الذي فرضه ترمب، بتعبير آخر لا يجوز أن تقتصر القرارات على المناشدات السياسية، أو الاستنكار والشجب والإدانة، والاكتفاء بالتوجه إلى الهيئات الدولية لتحمل مسؤولياتها، فمثل هذه القرارات لا تؤثر في توجهات ساكن البيت الأبيض الجديد، إنما تملي الضرورة اللجوء لقرارات من خارج الصندوق المتداول عربيًا. خاصةً وأن الدول العربية لديها أوراق قوة عديدة، تتمثل في النفط والغاز والودائع المالية والعلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة وإسرائيل على حدٍّ سواء، والاتفاقات التجارية والأمنية والقواعد الأميركية المنتشرة في بلاد العرب المختلفة، وغيرها من الأسلحة المعروفة وغير المعروفة.
وإذا شاء الأشقاء العرب وقف المهزلة والمسرحية التراجيدية السوداء الترمبية، فإن على الدول العربية الموقعة على اتفاقات السلام مع إسرائيل، أن تضع الاتفاقات في كفة، ووقف التهجير القسري والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني الشقيق في كفة، ومنحه حقوقه السياسية والقانونية، وإلزام إسرائيل بدفع استحقاقات التسوية السياسية والانسحاب من أراضي الدولة الفلسطينية وفي المقدمة منها القدس الشرقية العاصمة الأبدية وقطاع غزة، ووقف الإبادة الجماعية الجارية بالضفة الغربية، والشروع بالإعمار في القطاع فورًا لتأمين المستلزمات الضرورية لتجذر المواطنين الفلسطينيين في ترابهم الوطني، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة من مواد غذائية ودوائية ومستلزمات طبية وإيوائية بشكل سريع لوقف التطهير والإبادة الجديدة. غير ذلك تصبح القمة، كأنها لم تُعقد، أو أن انعقادها لن يحقق الهدف المرجو منها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها