بقلم: الحارث الحصني

بينما ينتظر لفيف من العاملين في السلك التعليمي في الأغوار الشمالية، حافلة لنقل الطلبة المتواجدين في المضارب البدوية، ضمن طابور طويل من المركبات لاجتياز حاجز تياسير العسكري شرق طوباس، كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة، الوقت الذي يجب أن يكونوا فيه متواجدين في المدارس.

يقول المعلم في مدرسة بردلة الثانوية المختلطة، محمد صوافطة: "ليس هذا وقتًا طبيعيًا للالتحاق بالدوام اليومي لعشرات العاملين في مدارس الأغوار الشمالية".

بعد ساعتين ونصف من الانتظار على الحاجز، تمكن صوافطة من اجتياز الحاجز بعد تفتيش مركبته وتدقيق البطاقات الشخصية للمعلمين الذين كانوا برفقته، مضيفًا: "تركت ورائي عشرات المركبات، بعضها لمدرسي الأغوار، وهي تنتظر اجتيازها الحاجز، هكذا يفقد الطلبة جزءًا من حقهم بالحصول على التعليم".

معلمون تواجدوا على قارعة الطريق منتظرين دورهم باجتياز الحاجز، أجمعوا على الكلام ذاته، وتأخر العدد الأكبر من العاملين في مدارس الأغوار عن مدارسهم يحدث خللاً كبيراً في سير العملية التعليمية في المنطقة.

في هذه الأيام يلتحق الطلبة في المدارس الحكومية بالأغوار الشمالية؛ لتقديم الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول.

وفي خربة مكحول، إحدى التجمعات السكانية في الأغوار الشمالية، ينتظر ثمانية طلاب للشاب يوسف بشارات وصول الحافلة لنقلهم إلى مدارس الأغوار الشمالية، لتأدية الامتحانات النهائية.

وبنبرة سادت عليها لا مبالاة مصطنعة، قال: "حتى التاسعة والنصف لم تصل الحافلة، بأي وضع نفسي سيذهب الطلبة لتأدية الامتحانات، عندما يأتي الطالب لتأدية امتحانه بعد ساعتين من الوقت المحدد، يعني أنه جاء بذهن مشوش".

تقول أرقام رسمية أوردتها مديرية التربية والتعليم: إن "937 طالبًا وطالبة بشكل عام يتلقون حقهم التعليمي في سبعة مدارس حكومية في الأغوار الشمالية".

ذاتها الأرقام تقول: إن "190 طالبًا وطالبة تنقلهم الحافلات التي خصصتها التربية، من المضارب البدوية إلى المدارس الحكومية في الأغوار".

لكن، هل يمكن أن تسير العملية التعليمية بوجود عدد من المدرسين والطلبة على حد سواء في المدرسة؟.

بالنسبة للمعلمة في مدرسة بنات بردلة هنادي فقها، تقول: إن لا يمكن إعطاء عدد من الطلبة حصصهم الدراسية، أو الامتحانات، عن سواهم من باقي الطلاب القادمين من المضارب البدوية.

وفي أرقام تقديرية صادرة عن مديرية التربية والتعليم في طوباس، تبين أن نسبة تأخر وصول العاملين إلى أماكن عملهم في المدارس الحكومية في الأغوار قد تجاوزت لـ 50% من أيام دوام الفصل الدراسي الأول.

بدوره، يقول مدير التربية والتعليم في طوباس عزمي بلاونة: "هكذا يفقد الطالب جزءًا من حقه التعليمي".

على مدار الساعة، يتناقل المواطنون عبر مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي خصصت لنقل أخبار الحاجز، كمًا كبيرًا من الرسائل التي لا تتوقف عن تحديثات الحالة التي يكون عليه، لكن بشكل عام، هذه الرسائل تعطي انطباعات شبه دقيقة، بحالة مزرية على الحاجز.

يشهد الحاجز الذي أقامه الاحتلال منذ العام 2000، تشديدات عسكرية تتراوح حدتها بين الفترة والأخرى. وتاريخيًا كان نمط الحياة لدى  الفلسطينيين مقرونًا بطبيعة المزاج العام عند الحاجز، وكان شاغلاً على مدار الساعة لغاية شهر أيّار لعام 2015، وبعد ذلك طرأ تغير على وضع الحاجز بحيث أصبح شاغلاً بين الفترة والأخرى.

منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير عادت معاناة المواطنين مع هذا الحاجز تطفو على السطح مجددًا، وعادت الإجراءات العسكرية المشددة منذ عام ونصف، تزامنًا مع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وارتداداتها السلبية على الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، صار واحداً من القواعد التي يرتب فيها الفلسطينيون أمور حياتهم بالاعتماد عليه.

ومنظر طوابير المركبات، بينها مركبات العاملين في السلك التعليمي، التي تنتظر اجتياز الحاجز صار راسخًا في مخيلة المواطنين، ويوميًا، يضطر حوالي 110 عاملين في السلك التعليمي من أصل 118، الانتظار حتى يسمح لهم باجتياز الحاجز من طوباس إلى مدارس الأغوار الشمالية.

ومع اقتراب نهاية دوام الفصل الدراسي الأول، تقول تقديرات التربية والتعليم في طوباس: إن "معلمي المدارس في الأغوار أعطوا الحصص المدرسية في أيام عطلهم، عوضًا عن تلك التي لم يتمكنوا فيها الوصول إلى المدارس".

تاريخيًا، يرتبط ذكر حاجز تياسير أحد الحاجزين الرئيسين اللذين يفصلان طوباس عن الأغوار الشمالية، بسيرة صعبة لحقبة زمنية عاشها الفلسطينيون خلال عقدين ونصف منذ إنشائه حتى اليوم.

واليوم لا يرى أكثر المتفائلين من شريحة المواطنين، تحسنًا على الحاجز في الأيام المقبلة.