بقلم: الحارث الحصني
كان سهل عاطوف أحد الامتدادات الجغرافية لسهل البقيعة جنوب شرق مدينة طوباس حتى قبل 15 عامًا تقريبًا، لم يتعد كونه أرضًا تزرع بعدد محدود من المحاصيل البعلية على مساحات متفاوتة في كل موسم، بالاعتماد الكلي على مياه الأمطار.
ورغم ترامي المساحات الواسعة لأراضيه بنية اللون الخصبة، إلا أن نتاجها كان يقتصر على تحصيل مردود اقتصادي قليل للفلاح الفلسطيني، في مواسم ضيقة يأتي أغلبها مع نهاية فصل الربيع، وبداية فصل الصيف.
وظل الأمر هكذا نظرًا لزراعة المحاصيل البعلية بشكل تقليدي، في السهل المطل على الشريط الشرقي الغائر للضفة الغربية.
وطوباس إحدى أشهر المحافظات الزراعية في الضفة الغربية، وفيها سهول طوباس وطمون وعقابا والأغوار الشمالية على مئات الآلاف من الدونمات الزراعية الخصبة، لكن القاعدة المنطقية تقول: "في المكان الذي يتواجد فيه الماء تكون الحياة لكل شيء".
فإلى الشرق من بلدة طمون، بدأت قبل عقد ونصف استثمارات زراعية ضخمة في حفر الآبار الارتوازية واستغلالها في الزراعة المروية، وخطوة كهذه جعلت المنطقة برمتها تتحول تدريجيًا من نمط الزراعة البعلية، إلى المروية.
يقول رئيس قسم الزراعة في مديرية زراعة طوباس، فايز دراغمة: "في سهل البقيعة (98 ألف دونم) عشرة آبار ارتوازية فعالة".
ومنذ أشهر في سهل عاطوف، تحدث ثورة في عالم الدفيئات البلاستيكية، بعد نجاح فكرة الزراعة المروية المكشوفة فيها.
ويمكن من خلال المشاهدة العينية ملاحظة التمدد الأفقي في بناء الدفيئات البلاستيكية في واحدة من أخصب المناطق في محافظة طوباس والأغوار الشمالية.
وتنتشر الدفيئات البلاستيكية في سهل البقيعة (معظمها في عاطوف لأسباب تتعلق بمنع الاحتلال لإقامة مشاريع زراعية في باقي السهل)، حسب الأرقام التي قالها دراغمة لــمراسل "وفا"، على مساحة 2000 دونم.
وسجلت مجمل المساحة التي أقيمت عليها دفيئات بلاستيكية في السنوات الماضية في طوباس وقراها، باستثناء الأغوار، بــ 6 آلاف دونم، وزعت على البقيعة، وسهل طوباس، وعقابا.
قال أحد أصحاب عدد من الدفيئات البلاستيكية في عاطوف، حسين ناجي: "أمتلك 30 دونمًا من البيوت البلاستيكية، مستقبلاً يمكن أن أتوسع في ذلك".
وتعزى أسباب كثيرة إلى القفزة الكبيرة في عدد الدفيئات التي ممكن أن تدخل حيز الزراعة قريبة في المنطقة برمتها، فليس وجود عدد من الآبار الارتوازية وحده سببًا أساسيًا في انتعاش الزراعة المروية على كافة أراضي السهل على مدار العام، بل أجبرت الظروف الأمنية في الضفة الغربية المئات من المواطنين إلى التحول للعمل في الزراعة بشكل عام.
ويأخذ نمط الزراعة في الدفيئات توسعًا ملحوظًا في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، لوجود عدد من الآبار الارتوازية، وخصوبة الأراضي، ومع تقادم السنوات بدأت الأنماط الزراعية المروية تظهر في المنطقة في الدفيئات، بشكل ملحوظ.
والظروف المتعلقة بالدرجة الأولى بالبطالة وقلة فرص العمل، التي يعيشها المواطنون تدفع عجلة ذلك النمط من الزراعة إلى المسير قدمًا.
قال دراغمة: "لجأ المواطنون إلى بناء المئات من البيوت البلاستيكية، منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، وما رافقه من ارتدادات عكسية على كافة النواحي.
والثورة في بناء البيوت البلاستيكية في المنطقة، تحمل أبعادًا أكثر تفاؤلاً في جوانب توفير فرص العمل، وزيادة الانتاج، وإنعاش السوق المحلي بكميات جيدة من الخضراوات.
فعدد العاملين في حصاد المحاصيل البعلية يكاد يكون محدودًا، لاعتمادهم على الآلات والمعدات الزراعية في حصادها، غير أن هذه المعادلة لا تصلح في جني المحاصيل المروية في الدفيئات البلاستيكية.
قال ناجي: "يحتاج الدونم الواحد في الموسم حوالي 50 عاملاً في أكثر من جانب". وهذا الرقم كبير بالنسبة لعدد العاملين في ذات المساحة المكشوفة، إذ يصل إلى الضعف.
هذه الأيام يظهر التباين بين الأراضي المزروعة من تلك التي لا تزال دون زراعة، لوحة طبيعية في غاية الجمال.
ويترافق مع ضجيج الآلات الهيدروليكية، حركة عشرات العاملين في بناء البيوت البلاستيكية مثل خلايا النحل المنتجة.
من ناحية علمية، تبقى المزروعات داخل الدفيئات البلاستيكية المنتشرة في سهل عاطوف، أفضل إنتاج وأقل تكلفة من تلك المكشوفة.
وقال ناجي: "يمكن أن يصل الانتاج في الدفيئة المقامة على دونم لــ80% زيادة عن الكمية في الدونم الواحد المكشوف".
وأضاف: "تقي الدفيئات البلاستيكية المزروعات من بعض الأمراض والفايروسات، واللفحات التي ترافق تذبذب درجات الحرارة".
ويومًا بعد يوم، وبينما تسير عملية بناء المزيد من البيوت البلاستيكية في سهل البقيعة، تكتمل صورة منظمة لمئات الدفيئات المتلاصقة.
وتشير التوقعات لكمية الإنتاج، التي ترتبط بعلاقة طردية لعدد الدفيئات البلاستيكية، بقفزة كبيرة في ذلك. فحديث دراغمة يشي بإيجابية كبيرة خصوصًا أن الزراعة في الدفيئات البلاستيكية متواصلة، فيما تتوقف أشهر الصيف في الزراعة المكشوفة، نظرًا للمكان الجغرافي لطوباس التي ترتفع فيها درجات الحرارة نتيجة موجات متطرفة.
والأمر يصبح أكثر إيجابية بالحديث عن حيز ذلك الانتاج في الاقتصاد المحلي، أو ربما في عمليات التصدير إلى الخارج.
يقول ناجي: "كانت الأمور أفضل حالاً قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر العام الماضي، وما رافقه من ارتدادات سلبية في كافة مناحي الحياة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها