حسب التخطيط الاستراتيجي العسكري، فإن معايير الربح والخسارة واضحة في ارض المعركة ومحسومة لمن يخرج منتصراً. بعد ٧ شهور لم تنته الحرب ولم يتحقق مفهوم النصر العسكري لا لحماس، ولم يحقق نتنياهو أهدافه المعلنة بالقضاء على حماس أو تحرير الرهائن. ومن هنا نستطيع ان نقول بان إسرائيل لم تربح المعركة العسكرية، وهذه نتيجة يدركها كل الخبراء.


وبنفس الوقت من يفكر استراتيجيًا يدرك أن عدم ربح طرف في المعركة العسكرية، لا يعني بأي شكل أن هناك ربح على الطرف الآخر، خاصة فيما لو نظرنا لأعداد الضحايا وهول الدمار، وهنا اود الخوض في خطورة الواقع بعد استشهاد أكثر من ٣٤ ألف فلسطيني في غزة، وعدة آلاف مفقودين ما زالوا تحت الأنقاض، والخسائر كبيرة وسريعة في الأرواح وفي المباني والممتلكات والبنية التحتية والمواد، والعالم فشل في وقف النار، والدمار طال كل شئ في غزة، وانهيار كامل في منظومة الغذاء والصحة والمياه والتعليم والنظم الاجتماعية، والثقافية والإنسانية.


ولا تزال الوفيات المسجلة الناجمة عن سوء التغذية غير موثقة، وصور جثث الأطفال ذات الهياكل العظمية تظهر الآثار الرهيبة للجوع والحرمان بين الصغار وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة جسدية أو نفسية، كل هذا الإجرام الموثق وإسرائيل مفلتة من العقاب.


نعم لقد عادت القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في النضال والتحرر من الاحتلال لأجندات صناعة السياسة العالمية، إلا أن المشروع الكولونيالي الإسرائيلي مستمر، وعمليات القتل والاعتقال والتدمير والتهجير والعنصرية والإبادة ما زالت مستمرة في غزة وفي الضفة بهمجية ووحشية المستوطنين المسلحين المحميين من جنود الاحتلال.


بعد 7 أكتوبر، تبنت إسرائيل مبدأ الانتقام، وتخلت عن قواعد اللعبة الإنسانية في قوانين الحرب، وتجاهلت منهجية الهدن المؤقتة، والمساعدات التي تبنتها خلال حروب 2008 و 2012 و2014 و2019 و2021.


كما أخطأت الولايات المتحدة في دعمها المستميت لإسرائيل، وحاولت إقناع حكومة نتنياهو بأن تسهيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين من شأنه أن يساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها الحربية.


ومع تزايد الضحايا وجرائم الحرب الموثقة في غزة، سببت الحرب لبايدن هزيمة سياسية، ما جعل الولايات المتحدة تزيد من حدة انتقاداتها بشكل كبير، لكنها لم توقف الحرب وهي الوحيدة القادرة على ذلك.


لن تكون عمليات الإنزال الجوي والرصيف العائم الذي تبنيه الولايات المتحدة كافيتين لتزويد الفلسطينيين في غزة بما يحتاجون إليه، خاصة وأن مقدمي المساعدات الإنسانية أوقفوا نشاطهم، بعد أن قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية سبعة من عمال المطبخ المركزي العالمي في الأول من أبريل. وحتى الآن، لا يوجد تدخل أميركي يرتقي لمستوى الواقع، بالرغم من هزيمة بايدن السياسية وخلافاته الشخصية مع نتنياهو، الذي حقق مكسب البقاء في السلطة، بإطالة عمر الحرب، بحجة حماس والخطر القادم من إيران، ومحاولاته المتكررة بالمماطلة وتشتيت اللاعبين بالخطر الإيراني أو غيره وحماية المستوطنين في الضفة من خلال استفزاز المنطقة لتحقيق مكاسب براغماتية شخصية، بينما سبب الكثير من الهزائم لإسرائيل على المستوى الدولي القانوني والإنساني.


نعم كسب نتنياهو بشكل شخصي، إلا أن إسرائيل تعاني اليوم من الانتقادات الحادة بعد قرار محكمة العدل الدولية، وطلب الإجراءات الاحترازية، وبعد قرار مجلس الامن المؤقت المنتهي الصلاحية، أعلنت إسرائيل عن خطوات مثل فتح ميناء أشدود أمام شاحنات المساعدات، وتسهيل الوصول إلى غزة عبر معبر إيريز على الحدود الشمالية للقطاع، ومرور المساعدات من الأردن عبر معبر كرم أبو سالم، وتحسين التنسيق بين العمليات العسكرية والأنشطة الإنسانية، كردود فعل لتهدئة المنتقدين أمام المجاعة والابادة الموثقة في غزة، خاصة مع إنهيار النظام العام للخروج من الوضع الراهن ولتحقيق مكاسب إنسانية وإنقاذ إسرائيل من سيناريو الانهيار الذاتي والعزلة الدولية، لا بد من وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق سياسي، الأولوية اليوم تتلخص في معالجة الأزمة الإنسانية، ومن الناحية الواقعية، فإن مثل هذه الخطوات لن تنجح إلا مع وقف إطلاق النار الدائم.


ولا يزال يتعين زيادة الواردات إلى أقصى حد، والسماح لقوافل المساعدات بالمرور بأمان وتخفيف القيود على الحركة، كما يجب على إسرائيل التوقف عن استهداف القادة المدنيين والمسؤولين في غزة المشاركين في حماية المساعدات والإشراف على التوزيع، وعليها التوقف عن سياسة الاغتيالات المحلية والإقليمية التي هدفها استنفار الجبهات الإقليمية واستفزاز المنطقة وإطالة عمر الحرب، وإبقاء نتنياهو في الحكم على حساب حل سلمي شامل في إطار صفقة كبيرة على مستوى الإقليم، تنهي الاحتلال وتمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في التحرر.


في معايير الربح والخسارة، وفي التفكير الاستراتيجي، نذكر أن هذه ليست حربًا، بين جيشيين يتقابلان، هذا إرهاب دولة منظم وسلسلة جرائم من جيش الاحتلال العسكري طويل الامد ضد شعب أعزل، بهدف التهجير والضم والمصادرة والاستيطان والقضاء على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في التحرر والاستقلال والعيش بكرامة وسلام، وهذا ما هو بعيد جدًا عن واقع غزة الآن.