مرة أخرى تأتينا من حيث لا نحتسب فالحكاية والقصة والراوية وما بينهم تكمن الحقائق، وتظل الرواية مستمرة منذ أن كنا هنا نحيا في كنف أرض القداسة، وما بين حكايا الجدات والرواية ثمة مسافة ومساحة طال انتظارها، ونأتي مع الصبح الطازج لعل وعسى أن تنقلب المعادلة الوجودية لوقائعنا منذ البدايات. والسراب سيد الموقف والامساك بالحقيقة بدا أمرًا صعب المنال في ظل خربشة حسابات المسألة الراهنة.

والمتربعون على عرش القرار بالوهم يتمسكون، وما زال البحث جاريا عن الغصن الأخضر الساقط المُحترق، وما زالوا يبحثون عن مبرر لإعادة رفع هذا الغصن الذي أصبح يابسًا غير نابض بالحياة ولونه باهت لا علاقة له بالاخضرار، وما زالوا يبيعون الوهم والأوهام بضرورة إعادة أحياء مسيرة الاخضرار للغصن المُنكسر المتكسر والمشوه، والتهريج سيد الموقف، والموقف قد صار طقسًا من طقوس ممارسة الألاعيب، وبساطير جند الاحتلال يعبثون بأحلام فقراء الحصار، وجثث القتلى، وهنا حيث هنا يصدر البيان باسم من يعتقد نفسه حاكمًا متحكمًا باسم عاصمة السراب، ويُصدر الفرمانات لتشكيل الجديد لباطنة الحكم الرشيد على مقاسات حزمة ما يسمى بالإصلاحات للتوافق مع المُراد لإعادة التسوية وإرضاء جنرالات القتل والتقتيل ومنحهم الفرص لممارسة أعتى أشكال الذبح والتقاط الصورة، وإنجاز الإنجازات الموعودة وفقًا لما يريد الكل من العرب والعجم.

وسقط الغصن الأخضر في أروقة وأزقة الوعي وفي محافل السراب، وملك ملوك المناذرة ما زال للأمر الصادر من روما مطيع ومنفذ، وكسرى المتربع على العرش له أن يرتع كيفما يشاء فالغصن الأخضر سقط وداسته بساطير الجند والعسكر، ونحن اللاهثون خلف سراب البحث عن فنون الكلام لمبادرة السلم والسلام، والاعتراف كان قد جاء من كبير كهنة معبد صياغة الاكاذيب من على منصات التواصل وأعلن الاعلان الشهير والقاضي بدبلوماسية التنسيق والاشتباك التفاوضي الفوضوي بامتياز، وبعبثية ربع قرن من الزمان لنجدنا أمام جدران الرفض للمنطق والعدالة وقراءة التاريخ والأحقية بالحقوق وبشرعية الامم ومبادئ القوانين والقانون وأسسه، وكانت الإطلالة من على الشاشة المسماة بالوطنية، واضحة صريحة مباشرة بتوزيع المنصب والمناصب للسائل والمسؤول، وهي الحقيقة الملموسة الواقعة الواقعية. ويظل الاعتدال والبحث عن المخارج والمخرج من واجب ومسؤولية الضحية وجموع الضحايا احترفوا فعل الانتظار والركون إلى فعل الاشتباك في أروقة المحافل الدولية والرهان على الضمير الأممي وسنغزو شوارعهم وأمكنتهم ونقض مضاجعهم بالكلام الموزون الملتزم بعربية المبادرة الباحثة واللاهثة خلف سراب صناعة (السلام) ولقوانين روما ان تظل السائدة والحاكمة بأوامر قياصرة الغلمان الحاكمة في عواصم البيداء العربية، والغساسنة يقاتلون ويتصارعون على الحدود الشمالية وربما الشرقية مع مناذرة القوم. والوجع هو الحقيقة الساطعة وبلغ منتهاه وما من منقذ ومبلسم للجرح الغائر ويهوذا بأزقة الكلمات متربص وهو الكامن بين الجمل الفصيحة والصارخ بوجه الحقيقة والشامت والسائد وهو ذو اليد الطولى والعليا، والاستجداء فعلنا وأفعالنا وإن كنا خلفه لاهثين راكضين ونحن أرباب المرحلة للسلمية قائلين متضرعين وللحراك الشعبي محترفين. وإن كان الموت المتربص بين لحظاتنا مباغتا وإن كان لابد من الموت فمن العار أن تموت جبانًا وإن كنت الشجاع المقدام المغاور المُبادر فأنت بالإرهاب موسوم باعتراف ذوي القربى وملاحظات العسس المنتشرين ما بين النوم واليقظة.

وسقط الغصن الأخضر وأصبحنا الغرباء في مدننا وبتنا لا نعلم أو نعرف السبيل لحجرات نومنا، لنختبئ وخوفنا أضحى سقيم، وخوفنا قد صار من طقوس أيامنا فربما نغادر أو نهاجر هذا البؤس ونغرد للمدن من بعيد ويظل نداء البعيد للبعيد الأجمل والأنقى في سيمفونية الحنين لرائحة الزعتر البري والتين والزيتون وللأرض التي ستنطق عما قريب بالعبرية، وسيشيدون متحفًا عربيًا كبير على بوابته العملاقة سيكتبون هنا كان يحيا الغرباء الناطقين بلغة الضاد يومًا، بعد أن تصمت تكبيرات المساجد وتتوقف اجراس الكنائس عن الرنين.

وسقط غصن الزيتون وكيف له أن لا يسقط والأشجار في جبال الأرض السمراء مُقتلعة مُحترقة؟ والناهبون للثمر يرقصون بوسط الحقول بوضح النهار وهم السكارى وما هم بسكارى، وللفرح متأبطون فقد صاروا المبادرون ولهم مسمياتهم في التلال وشباب الثأر بعد أن كنا نجول في روابي الأقحوان والحنون، وما زلنا نقول أن الحل يكمن بالدولتين، دولة لفقراء الهنود الحمر في زاوية من زوايا الوطن المسلوب واخرى لسادة العالم المتحضر، وآخر يهدد ويتوعد بالتوجه نحو خيار الدولة الواحدة في ظل بدء الصراع حول الحقوق والواجبات ولا بأس بالقبول بالأخر بواحة التعددية مع يهوذا ومعايشة التنين وترويض الشاة على قبول الذبح بالشروط الأفضل.

سقط الغصن الأخضر، والبديل كان أن تم اسقاطه هو الآخر، وأصبحنا نستجدي الحلول ونبحث عنها في دهاليز وأروقة زقاق عواصم صناعة القرار وما من قرار لنصرة آذان الرب الممنوع في عاصمة الله على الأرض. ونحن القاعدون هنا بانتظار الإشارة والبشارة والرهان على من يحمل الراية ويعتلي ربوة مطلة على أغصان الزيتون المكسورة المنكسرة، ليقرع جدران الخزان، ويعيد ترتيب الحقل بعد حراثتها وما بيحرث الأرض إلا عجولها.  والقادمون إلى المشهد خلسة المنبوذون سيغادرون عند أول الصبح حينما يتلاشى الوهم بالأرض الرخوة لمداميك العرش الكرتوني في ظل الخراب والتخريب وعبثية ضجيجهم، والفتي المشاكس القالب للمعادلة الراهنة، القادم من أقاصي الشمال والمترجل للجنوب عبر وسط الوسط غير المعترف بموازيين القوى وبمنطق قوانين الطبيعة. الباسم الضاحك سيأتي من حيث لا تحتسبون وكان إن جاء وجال وقال وأضحى أسطورة وأيقونة تحلم به العذارى في وطن اللوز ومصادرة الحب.

وسقط غصن الزيتون الذي ارتفع يومًا بقوة المنطق والعدالة والإيمان بالثوابت وشرعة الأحرار بانتزاع الحق وفقًا للدساتير الإنسانية البائدة في ظل شرعنه التطاول على الحب والحق، وسقوطه كان بمنطق القوة الفارضة لذاتها، والمفرطة بنيرانها، والقاتلة للجائع. مولاي المُبتسم في عليين يا صاحب الخطوة الأولى سنظل بانتظار المسار والمسير للثورة على الوجدان والنهب والتخريب والتمرد علينا وعلى ذواتنا.