بقلم: فاطمة إبراهيم

كان فنجان القهوة آخر ما أعده الشهيد ياسر حنون وشربه في منزله في مخيم جنين شمال الضفة الغربية قبل أن تغتاله طائرة مسيرة إسرائيلية بصاروخ على سيارة كان يستقلها في ساحة المخيم مع اثنين من رفاقه ليلة الخميس الماضي. 

تقول والدته أنها وجدت فنجان القهوة الذي شرب منه ما زال ساخناً حين دخلت البيت ورأته على الطاولة في المطبخ، فاستنتجت أنه رجع إلى البيت بينما كانت هي بالخارج، واعد فنجان قهوة ثم خرج إلى المخيم حيث يسهر يوميًا مع أصدقائه، وبعد لحظات كان صوت انفجار يهز المخيم بالكامل، سمعت صوت الانفجار وخرجت إلى باب المنزل مسرعة، رأيت النار تشتعل في السيارة، عندها شعرت أن شيئا أصاب ياسر، ثم أطلق الصاروخ الثاني على السيارة وبدأت النار تشتد، ركضت باتجاه الحريق، كنت أشعر أنني أركض في مكاني، وأني لا أقوى على الوصول".

كان قلب أم ياسر يخبرها بأن المستهدف في عملية الاغتيال هذه هو ابنها الوحيد ياسر، وكان كل شاب مرت عنه خلال محاولة وصولها إلى ساحة المخيم "مكان الاستهداف" ينكر وجود ياسر داخل السيارة، لكن قلبها قادها إلى المستشفى للتأكد، وبحثت بين المصابين عن ياسر لكنها لم تجده بينهم، وسألت الممرضين قالوا إنه ليس بين الجرحى، رغم إنكار الكل إلا أن قلبها كان متأكدًا بأن ياسر ليس بخير، وخلال بحثيها عنه رأت شاباً مصاباً، اعتقدت أنه ياسر، ركضت نحوه، كان ماجد النبهان وليس ياسر".

النبهان واحد من 15 شاباً الذين اصيبوا خلال عملية اغتيال ياسر حنون، وتم تحويله إلى مستشفى رفيديا الحكومي ليعلن عن استشهاده فجر اليوم الاثنين.

تبكي أم ياسر برقة شديدة وهي تستذكر الحالة التي وجدت عليها جثمان نجلها الشهيد بعد انتشاله من السيارة المقصوفة، وقالت: "خرجت من باب الطوارئ وانا ما زلت أبحث عن ياسر، رأيت شاباً يعمل في الهلال الأحمر وتربطنا به معرفة سابقة، سألته إن كان اسعف ياسر هو وزملاؤه، كان يبكي وقال لي توكلي على الله، سألته هل استشهد ياسر أخبروني بالله عليكم هل هو مصاب أم استشهد أين هو".

وتضيف: "قالوا لي تعالي ادخلناه إلى غرفة الطوارئ الآن، نظرت إليه، لا يمكنني وصف ما رأيت، الأصح أني لم أرى شيئاً"، اشتد بكاء أم ياسر وأكملت، "لم أعرف إبني الذي ربيته 23 عاماً، كان بلا معالم، لم يقتلوه فقط حرفوه بالكامل، عرفته من حذائه، هل يعقد أحد أن أعرف ابني من حذائه، كان لحمه محروقا وعظام ساقه ظاهره".

خالطت دموعها صوتها ولم تستطع إكمال الحديث

تقول: أن ياسر تأثر كثيراً باستشهاد أولاد خالته وسام ووئام حنون قبل شهرين، وأنه كان يردد أمامها كثيراً أن حياته بعدهم لن تطول وانه سيلحق بهم، لكنها كانت تحاول ابعاد هذه الافكار عن رأسه خاصه إنه الولد الوحيد المتبقي لها بعد استشهاد شقيقه الأكبر وزواج شقيقاته، وأنها تعيش معه لوحدهم في المنزل في مخيم جنين.

ربت أم ياسر ابنها برفقة شقيقه الأكبر عمار وأخواته الثلاث وحدها، وعام 2006 قتلت قوات خاصة إسرائيلية شقيقه عمار 16 عاماً، حين اقتحمت بيت عزاء لأحد شهداء المخيم كان يتواجد فيه عمار وفتحت النار على كل المتواجدين فيه، وأصيب  برصاصة نارية في القدم، وبشظايا في البطن، حينها قال الأطباء: أنه أصيب برصاص الفراشة الذي يدخل الجسم ويتفجر داخله ويمزق الأعضاء الداخلية، بقي عمار يعاني من نزيف داخلي لأيام ثم استشهد.

واستشهد ياسر حنون في قصف طائرة استطلاع إسرائيلية لسيارته في ساحة المخيم كان استشهد معه الفتى سعيد جرادات 16عاماً وماجد النبهان فيما أصيب 15 شخصًا آخرين.

ومنذ العام الماضي تصاعدت عمليات استهداف الاحتلال للشبان الفلسطينيين في جنين بالطائرات المسيرة، حيث قصفت طائرة مسيرة سيارة كان يستقلها ثلاثة شبان قرب حاجز الجلمة شمال جنين في شهر يونيو من العام الماضي، واعتبرت هذه العملية الأولى من نوعها منذ عام 2006.

وتواصلت عمليات إطلاق الصواريخ من طائرات الاحتلال المسيرة على الأشخاص والمركبات والمنازل خلال اقتحام مدينة جنين ومخيمها تخللها 6 عمليات اغتيال، كان آخرها اغتيال الشهيد حنون ليلة الخميس الماضي، ليرتفع عدد الشهداء في محافظة جنين منذ السابع من أكتوبر إلى 97 شهيدًا.