دخلنا منذ أيام الشهر الخامس لحرب الإبادة الصهيو أميركية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، وتحديدًا منذ 130 يومًا خلت، ولم تتمكن قوى الإرهاب وحرب الإبادة الجماعية بقيادة الإدارة الأميركية واداتها الإسرائيلية من تحقيق هدف واحد، وكل ما حققته المزيد من عمليات القتل السريع والبطيء والإبادة الجماعية وتعاظم عمليات التدمير للمساكن والمشافي والمراكز الصحية والمدارس وأماكن العبادة، وفرض العقاب الجماعي والحصار الشامل على الشعب، وظل نتنياهو وأركان حكومته ومن خلفهم إدارة بايدن والغرب الرأسمالي يبحثون عن انجاز ما، مهما كان صغيرا ومحدود الآثر، لكن دون جدوى، وحتى الرهينة المجندة التي وجد الجيش الإسرائيلي جثمانها في إحدى الشقق بالقرب من مستشفى الشفاء، تركها مختطفوها جثة هامدة، بتعبير أدق، لم يحرروها، ولم ينقذوها من أسر أذرع المقاومة، وبعد ذلك قامت قوات الجيش الإسرائيلي بقتل 3 جنود اسرى رفعوا الرايات البيضاء، وأعلنوا لهم باللغة العبرية إنهم رهائن اسرائيليين، قامت قوات الجيش في الشجاعية باطلاق الرصاص عليهم.


بالأمس فجر الاثنين 11 فبراير الحالي تمكنت القوات الإسرائيلية المكونة من الجيش بكل وحداته وأقسامه البرية والجوية والبحرية وأجهزة الأمن المختلفة والأقمار الصناعية الأميركية والإسرائيلية ومعها الأوروبية تمكنوا بعد عمليات قصف وحشية على مدار ساعات واشتباك مسلح لما يزيد عن ساعة من تحرير اسيرين إسرائيليين من 136 أسيرًا، مازالوا بأيدي أذرع المقاومة، وعلى مدار الساعات الماضية وإسرائيل بكل مكوناتها العسكرية والسياسية والأمنية والإعلامية وهي تطبل وتزمر على "الإنجاز العظيم"، وبالغت في رسم سيناريو الافراج، وكأن إنقاذ الاسيرين بمثابة فيلم هوليودي مشحون بالموسيقى والدخان والغبار وعمليات الاكشن، حتى بدى للمراقب أن العملية الإسرائيلية شيء خرافي، وغير مسبوق، وكأنها نزلت عليهم من السماء، وهو ما يكشف عار وافلاس جيش ودولة الاستعمار الإسرائيلية الفاشية. 
نعم كشف التهليل والصراخ والثرثرات المتهافتة الإسرائيلية عن العملية البسيطة، والتي يفترض ان لا تساوي شيئا في معادلة الصراع، وكان يجب ان تخجل القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والاعلامية من ذاتها، وهي تتحدث عن عملية الإنقاذ لاسيرين، ماذا لو حرر جيش إسرائيل 20 أسيرًا أو أكثر؟ ماذا كانت ستفعل من مظاهر المبالغة والتزويق والادعاء والاكشن الهوليودي؟ مؤكد كانت ستقيم الدنيا ولن تقعدها، ومن خلفها حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة. 


حكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، التي منيت بهزائم متعددة في الحرب طالت المشروع الصهيوني برمته، وكسرت الجيش الرابع في العالم، وفضحت وعرت إفلاس الأجهزة الأمنية، وبرامجها التجسسية الإسرائيلية جميعها، وكشف كذبة القبة الحديدية ومقلاع داود ودبابة الميركافا وغيرها من الأسلحة، وأظهرت الاقتصاد الإسرائيلي على حقيقته، اقتصادا هشا وضعيفا  بمعايير ما كانت تروج له إسرائيل ومن يدعمها، لانه لم يتحمل صدمة الحرب الأولى، وليس امتدادها لخمسة اشهر، وكونه لا يرتكز على قواعد متينة، بل اقتصادا يقوم على الدعم والمساعدات الخارجية الأميركية والأوروبية في جانب أساسي منه. كما ضربت الاساطير الدينية والثقافة والتربية اليهودية الصهيونية، وبينت خواءها، والاهم عرت مجتمع المرتزقة من يهود الخزر، الذين لا انتماء لهم، سوى المتاجرة بالاستيطان الاستعماري والاسترزاق والنهب والإرهاب والبلطجة على حقوق الشعب الفلسطيني، وما أن جاء 7 أكتوبر 2023 حتى بدأوا يعدوا العدة للرحيل عن "أرض المن والسلوى" و"أرض الميعاد" وعن الأرض العربية الفلسطينية. لأن زمن المتاجرة والسمسرة ولى. 


بالنتيجة كان هدف المبالغة الإسرائيلي من انقاذ اسيرين في عملية إبادة معلنة جديدة لابناء الشعب العربي الفلسطيني في رفح: أولاً ذر الرماد في عيون المجتمع الإسرائيلي؛ ثانيًا إعادة تعزيز الثقة في أوساط الجيش والأجهزة الأمنية الاسرائيلية المهزومة؛ ثالثًا إعطاء نتنياهو ورقة انجاز ولو محدودة ليقدمها للاسرائيليين؛ رابعًا طمأنة ذوي الاسرى الإسرائيليين ان الحكومة جادة في الافراج عن أبنائهم، وتهدئة خواطر الشارع الإسرائيلي؛ خامسًا ترميم الثقة بين المجتمع والقيادة الإسرائيلية؛ سادسًا استعادة العافية امام الحلفاء بالمعايير النسبية. 
ومع ذلك، لو حررت إسرائيل وجيشها وأجهزتها الأمنية كل الاسرى فهذا لا يسقط ولا يلغي هزيمتها، وفضح افلاسها وخواءها والمضي قدمًا نحو انهيار الدولة اللقيطة، التي لا تملك إرثًا ولا انتماءً للأرض الفلسطينية العربية.