تلتئم في الرياض عاصمة العربية السعودية قمتان طارئتان، الأولى القمة العربية بعد غد يوم السبت القادم الموافق 11 نوفمبر، وتليها مباشرة يوم الأحد الموافق 12 نوفمبر قمة إسلامية لمناقشة تطورات الحرب على قطاع غزة، التي يكون مضى عليها 36 و37 يومًا بالتوالي، والموقف من القضية الفلسطينية، وطرح رؤى مشتركة تمثل الموقف العربي الرسمي مما يجري على الأرض من حرب أميركية غربية رأسمالية إسرائيلية على الشعب العربي الفلسطيني في عموم الوطن الفلسطيني، وليس في محافظات الجنوب فقط. 


لكن من خلال تناثر الاخبار والمعلومات من دهاليز صناع القرار العرب، يبدو أن القادة لم يبلوروا موقفًا مشتركًا موحدًا، ومازال التباين قائمًا، والاجتهادات تحتمل أكثر من رؤية، مع أن اليوم الخميس سيعقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعهم التمهيدي للقمة للتوافق على مشروع صيغة البيان الختامي. كما أن بعض المسؤولين العرب أطلقوا العنان لمواقفهم، دعوا فيها كتاب الرأي والمراقبين السياسيين عدم التحليق بعيدا في تقديراتهم لمخرجات القمة، وطالبوهم بتخفيض سقف استشرافاتهم للنتائج، وهو ما يوحي للمراقب بأن الأساس في الاستجابة للدعوة الفلسطينية السعودية لعقد القمم العربية والاسلامية الطارئة يتمثل في ذر الرماد في العيون، وايهام المواطنين الفلسطينيين والعرب المتلهفين لأي فعل عربي، أن أشقاءهم من الملوك والرؤساء لم يبخلوا عليهم بعقد القمة. 


مع ذلك لا يجوز لأي مراقب، أن يفقد الأمل بانزياح قرارات القمة نسبيًا بما يستجيب لطموحات ومزاج الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي. لأن صيرورة الحرب متحركة بديناميكية عالية، وتحمل في ثناياها كل السيناريوهات من داخل وخارج الصندوق. لان المزاج الشعبي العام يأمل في رفع السقف السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والمالي والأمني. لأن المراوحة في دائرة الدعوات لوقف اطلاق نار فوري لحرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني لا يكفي، ولا بد من اقران القول بفعل متعدد المستويات ليؤتي ثماره.


ومما لاشك فيه، أن الزعماء العرب سيتبنون الموقف الرسمي الفلسطيني المعلن والواضح، والذي حدده الرئيس عباس في اللقاءات العربية ومع الأقطاب الإقليمية والدولية، وذكرته في زاوية الامس بالتفصيل. بيد أن المطلوب منهم الذهاب أبعد من ذلك، لجهة أولاً استخدام أوراق القوة العربية والإسلامية المتعددة للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وإسرائيل، وتشمل التلويح بقطع العلاقات الديبلوماسية، وليس مجرد سحب السفراء من إسرائيل؛ ثانيًا التهديد باستخدام سلاح النفط والغاز والعائدات المالية العربية؛ ثالثًا الالتزام الفعلي بمحددات واولويات مبادرة السلام العربية فعلاً لا قولاً، وهو ما يعني الغاء كل ما يتعارض مع أولوياتها وضوابطها؛ رابعًا تقديم الدعم المالي المباشر للشعب الفلسطيني، ووضع خطط عاجلة لإعادة بناء ما دمرته حرب الإبادة؛ خامسًا مقاطعة السفن الأميركية والأوروبية في الموانىء العربية والاسلامية، وعدم استقبالها او تفريغ حمولاتها؛ سادسًا اغلاق الممرات المائية العربية والاسلامية في وجه السفن وحاملات الطائرات الغربية والإسرائيلية عمومًا؛ سابعًا التلويح باغلاق القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في دول المجموعتين العربية والإسلامية، وغيرها. 


لأنه ما لم تحمل المواقف العربية والإسلامية جدية وقوة وحزما دون انفعالات وشعارات براقة، ستواصل واشنطن وعواصم الغرب وإسرائيل اللقيطة حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني دون رادع. وستبقى تلك القوى تعلن على الملأ "لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها"، وترفض وقف الحرب فورًا، ومنح الدولة العبرية الضوء الأخضر في ارتكاب المزيد من المجازر والمحارق وحرب الإبادة، ومواصلة عمليات التطهير العرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وفرض التهجير القسري للفلسطينيين من الضفة والقطاع وفي مقدمتها القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، وستسعى قوى الشر والإرهاب الدولي على طرح الحلول الجزئية والأمنية، والالتفاف على الحل السياسي القانوني للمسألة الفلسطينية، الذي يعتبر المفصل المركزي والاهم لاخراج المنطقة عموما والشعب الفلسطيني خصوصا من دوامة الفاشية وإرهاب الدولة الإسرائيلية القائمة بالاحتلال لاراضي دولة فلسطين المحتلة في الرابع من حزيران 1967. 


وعلى الأشقاء العرب أن يعلموا جيدًا، أن الحرب على فلسطين وشعبها الأعزل والمنكوب بإسرائيل الخارجة على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، هي حرب عليهم جميعًا دون استثناء. لأن ما يجري في فلسطين، قضية العرب المركزية عميق الصلة بكل دولة شقيقة وبالوطن العربي ككل. ولديهم (الزعماء العرب) من المعطيات والحقائق والوثائق ما يؤكد هذه الحقيقة، حتى لو كانوا مطبعين مع الدولة الفاشية، فانهم مستهدفون جميعًا.