بقلم: سامي أبو سالم

لم تعد مركبات الإسعاف قادرة على نقل العدد الكبير من الشهداء والجرحى الذين يرتقون إثر القصف المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

تعمل الإسعاف على مدار الساعة، وخارج قدرتها وإمكانياتها، ووصل الأمر إلى نقل جثامين 15 شهيدًا دفعة واحدة، لذا تجد المواطنين في قطاع غزة، يقومون بنقل جثامين اقاربهم بمركباتهم الخاصة، أو بالعربات.

ودفع العدد الكبير للشهداء والجرحى بالمستشفيات في قطاع غزة، لإقامة خيام قرب بواباتها بهدف التعرف على الجثامين المقطعة والمتفحمة، وتوثيقها قبل مواراتها الثرى.

وفي إحدى صالات الأفراح، لجأت عشرات النساء والأطفال والفتية والمسنون والشباب، باحثين عن الأمان المعدوم في القطاع الذي يتعرض كل ركن فيه للقصف، هؤلاء لم يسلموا من الموت، لاحقتهم صواريخ الاحتلال الحربية لتتحول الصالة التي كانت سابقا تعج بالأفراج، لمكان مليئ بالحزن والدم والأشلاء.

يقول أحد الناجين الذين رافقوا الشهداء والجرحى، إن الصالة كان تؤوي العشرات، تم تقسيمها من الداخل لزوايا صغيرة، كل زاوية تؤوي عائلة. صاروخان أسقطهما الاحتلال أوقعا كل من فيها بين شهيد وجريح.

وعلى باب خشبي، حمل المواطنون الطفل محمد البكري، بعد أن تعذر نقله إلى مستشفى الشفاء عبر مركبة إسعاف ومركبة خاصة، وهومثخن بالجروح والدماء تنزف من وجهه وأذنيه، جاءه الطبيب مسرعا وما إن وضع سماعة الفحص على صدره، حتى قال لعائلته "عظم الله أجركم، انقلوه إلى الخيمة". لتدوي بعدها صرخه مدوية من شقيقه، الذي احتضن أخيه وحمله ونقله إلى الخيمة استعدادا لمواراته الثرى.

وفي زاوية أخرى من المستشفى، ثم طفل يجلس في إحدى زاوياه باكيًا، يغطي جسده الدم والأتربة والغبار من أثر القصف، هذا الطفل نجا من الموت بأعجوبة، لكن عائلته لم تنجُ، قال وشفتاه ترتجفان وعلامات الصدمة بادية على وجهة "قتلوا ماما وخالتي نجوى وولد وقتلوا طفلا اسمه سَند".

وفي البحث عن سند ابن الستة أشهر، كان بين ذراعي والده ياسين الزيناتي، يحتضنه الأب، بينما تخضبت قطعة القماش البيضاء بالأحمر لشدة ما نزف. استشهد سند. أحد أهداف الاحتلال. حمل ياسين طفله، ووضعه إلى جانب عشرات الجثامين المتكدسة في باحة المستشفى، وودعه الوداع الأخير وراح يلملم أشلاء ما تبقى من عائلته.

في هذه الأثناء، مركبة أخرى تصل، يخرج منها شبان يحملون بطانية كبيرة، وبداخلها أكوام من الجثث المتفحمة والمقطعة، فتح الطبيب البطانية وقال "جميعهم إلى الخيمة".

واحدة ممن تمكن المواطنون من التعرف عليها في البطانية، كانت أشلاء المواطنة حكمت المقوسي، التي نزحت من شمال غزة إلى جنوبها بحثا عن الأمن المفقود، لكن لا أمان في الجنوب ولا في الشمال، لا أمان في غزة كاملة.

حضن الابن محمود أشلاء أمه، وجلس إلى جانبها يسمعها كلمات الإطراء كم كانت أم مضحية وجميلة، محاولا التوقف عن البكاء حتى تستطيع عيناه رؤيتها جيدًا للمرة الأخيرة، نصف ساعة بقي محمود إلى جانب أمه، ثم ودعها وراح يبحث عن بقية عائلته.

في غزة، ارتقى 8485 شهيدًا، وحلمًا، وأصيب أكثر من 21 ألفًا، ودمرت آلاف المنازل فوق رؤوس الناس، ووحده الله يعلم كم من طفل وامرأة ومسن وشاب سحقت أجسادهم تحت الركام.