عشية إنطلاق أعمال الدورة ال78 للجمعية العامة للأمم المتحدة بادرت العربية السعودية بالدعوة لاجتماع عربي أوروبي وبمشاركة ممثل وزارة الخارجية الأميركية، وذلك يوم الاثنين الماضي الموافق 18 أيلول / سبتمبر الحالي، وجاء تعميدًا لاجتماع العام الماضي، الذي عقد في الذكرى ال(20) لمبادرة السلام العربية، وبهدف كسر حدة الاستعصاء الإسرائيلي، وضخ الحياة في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ نهاية آذار / مارس 2014 بسبب عدم التزام حكومة إسرائيل بالافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية المعتقلين قبل اتفاقية أوسلو 1993، وإدارتها (إسرائيل) الظهر للاتفاقات المبرمة مع القيادة الفلسطينية برعاية إدارة أوباما الديمقراطية آنذاك. 


ووفق "وكالة الاناضول" عن مصادر عربية بعد انعقاد الاجتماع الذي غابت عنه كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وحضره قرابة ال50 دولة معظمهم من وزراء خارجية الدول المشاركة، وهو ما يعكس الاهتمام الدولي لاخراج خيار حل الدولتين من حالة الركود بسبب استمراء حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عقد خلا سياسة الاستيطان الاستعماري، وارتكاب سلسلة طويلة من جرائم الحرب بدءَ من القدس العاصمة مرورا بالضفة الفلسطينية وصولا لقطاع غزة، الذي شهد خلال الفترة المذكورة اربع حروب، واجتياح جنين ومخيمها، ونابلس وبلدتها القديمة وحاراتها ومخيماتها وطولكرم واريحا والخليل ومخيماتها وبيت لحم ومخيماتها واريحا ومخيمها الى آخر بقعة من الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وشارك في الدعوة للاجتماع جامعة الدول العربية وكل من مصر والأردن والاتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع القيادة الفلسطينية. 


وعقب مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل على نتائج الاجتماع بالقول، إن (3) مجموعات عمل من المسؤولين المشاركين ستشكل لتجتمع بعد شهر من الان للشروع بالخطوات العملية لدعم عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. كما وادلى وزير الخارجية السعودي، فيصل الفرحان بتصريح عن الحدث بالقول، انه يهدف إلى إعادة الحديث عن حل الدولتين في ظل التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية" وتابع، أن الناس بدأت تفقد الأمل في حل الدولتين، ونريد من خلال المجهودات إلى اعادته الى الواجهة،" وأضاف مؤكدا "لا مجال لحل الصراع إلآ بضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة." وهنا بيضة القبان، وجوهر الصراع، الذي لا يمكن لاية عملية سلام التقدم النسبي، ما لم يحصل الشعب العربي الفلسطيني على حقوقه السياسية والقانونية وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار مجلس الامن 2334 الصادر في 23 ديسمبر / كانون اول 2016. 


ومما لا شك فيه، ان الاجتماعين العام الماضي والحالي بمبادرة القيادة السعودية جاءت متسقة مع مساعي إدارة بايدن لفرض التطبيع بين المملكة السعودية وإسرائيل. ولكن حكومة الترويكا الفاشية بقيادة نتنياهو ترفض تقديم أي تنازل سياسي للشعب العربي الفلسطيني، وهذا ما عكسه تصريح رئيس الحكومة ووزرائه في سلسلة من المواقف، منها تصريح له قبل شهر ونصف في مقابلة مع شبكة "بلومبرغ" بالقول إن "كل المطلوب في الشأن الفلسطيني هو "التوقيع على حرف V لتقول فعلت ذلك."، وقال ايلي كوهين، وزير الخارجية: إن "القضية الفلسطينية لن تشكل عائقا أمام التوصل إلى اتفاق مع السعودية." وبق البحصة سموتريش، وزير المالية بالقول، انه "لن تكون هناك أي "تنازلات" لصالح الفلسطينيين، مقابل اتفاق إسرائيلي سعودي." مما اثار استياء الإدارة الأميركية، التي وضعت ثقلها السياسي والاقتصادي والمالي والأمني مع الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لاحداث الاختراق الاستراتيجي في عمليات التطبيع.


وأكدت الولايات المتحدة في تصريح للناطقين الإعلاميين، إن "السعودية لن تكون قادرة على المضي قدما في التوصل إلى اتفاق مع "إسرائيل" إلا إذا تضمن إنجازات مهمة للفلسطينيين أيضًا". وقال بلينكن، وزير الخارجية الأسبوع الماضي: إن "السعودية أوضحت للولايات المتحدة انها لن تمضي قدما في الاتفاق، إذا لم يتضمن مكونا فلسطينيًا". 


ومن المفترض أن يكون اجتمع الأربعاء (20 أيلول/ سبتمبر) الرئيس جو بايدن مع نتنياهو على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيعود للتأكيد على إثارة ملف التطبيع مع السعودية، واحد ركائزه التقدم في الملف الفلسطيني. ولكن كما عهدنا نتنياهو الكاذب سيناور، ولا أعتقد أنه يستطيع تقديم أي التزام. لا سيما وأن هناك معلومات أشارت إلى أن بن غفير، وزير ما يسمى الأمن القومي، أعلن استقالته من الحكومة، وكأنه شاء أن يلقي بسهم الاستقالة ليقطع الطريق على رئيس وزرائه في حال نوى، مجرد أن ينوي بتقديم اية وعود للرئيس بايدن حول المسألة الفلسطينية. 


وأي كانت نتائج لقاء الرئيس الأميركي مع رئيس وزراء إسرائيل المنبوذ، فإن الضرورة تملي تثمين الموقف السعودي الواضح بشأن حل المسألة الفلسطينية وعنوانها الأساس إستقلال الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزران / يونيو 1967، وهو ما يتطلب من القيادة الفلسطينية الاستفادة من اللحظة السياسية لتعزيز موقفها، والتمسك بالحل السياسي القانوني، وترجمة وتنفيذ خيار حل الدولتينن، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار 194، والمساواة لابناء الشعب في ال48، وعدم الوقوع مجددًا في شرك تجزئة الحل السياسي، أو القبول بالفتات المالي والاقتصادي، بتعبير أدق، يفترض التمسك بالذهاب لعقد مؤتمر دولي ملزم في فترة زمنية محددة، والتقدم نحو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية فورًا دون تعلثم أو نكوص. وأجزم أن سيادة الرئيس محمود عباس يستطيع، لا بل هو من يستطيع الأقدام على هذه الخطوة الضرورية. ومع ذلك لا أحد يتوقع أن يكون هناك شريك إسرائيلي لا في حكومة نتنياهو الحالية، ولا في حكومة لاحقة بقيادة لبيد أو غانتس أو غيرهم.