رغم الإنجاز الذي حققه نتنياهو في حكومته الخامسة في تعميق الاختراق في ملف التطبيع المجاني مع بعض الدول العربية تنفيذًا لصفقة القرن، وهي الامارات والبحرين والسودان والمغرب، إلا أنه مازال يعتقد، أن الاختراق الحقيقي في كسر الحلقات العربية يكمن في دخول المملكة العربية السعودية حقل التطبيع المجاني لاكثر من اعتبار، أولاً لتثقلها السياسي والاقتصادي في العالم العربي والإسلامي؛ ثانيًا كونها صاحبة مبادرة السلام العربية بمحدداتها الأربع الناظمة لعملية التسوية السياسية بين النظام العربي وإسرائيل، ولعزل القيادة والشعب الفلسطيني، والالتفاف على قضيته المركزية، وشطب خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثالثًا لتعميق التناقض بين الرياض وطهران، ووضع آسفين في الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته جمهورية الصين؛ رابعًا للاستفادة من السوق السعودي في الترويج لبضائعها، وبالمقابل للاستفادة من الاستثمارات السعودية في السوق الإسرائيلي؛ خامسًا لتعزيز مكانة إسرائيل في دول الإقليم الشرق اوسطي، تمهيدا لتسيدها على الإقليم؛ سادسًا لتحقيق حلمها القديم الجديد بفتح خطوط المواصلات البرية والجوية والبحرية، ولإعادة إحياء خط سكة حديد حيفا الحجاز؛ سابعًا تطويق باق الدول العربية ودفعها للسير في ركب التطبيع المجاني، أو عزل الدول الرافضة له؛ ثامنًا لدخول العصر العالمي الجديد بخارطة إقليمية مغايرة تخدم إسرائيل.  


كما أن استكلاب رئيس حكومة الترويكا الفاشية الإسرائيلية على إختراق الممانعة السعودية، يشكل رصيدًا له ولحكومته أمام المعارضة، ويزيل من أمامه العقبات في السيطرة الكاملة على كل فلسطين التاريخية، وبتعبير آخر يفتح شهيته وشهية اقرانه في الائتلاف الفاشي في تعميق وتوسيع عملية الاستيطان الاستعماري في عموم فلسطين وتحديدًا في القدس، والسيطرة الكلية على المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا، كمقدمة لتدميره وإقامة الهيكل الثالث على انقاضه. كما قد يفتح الطريق أمام بناء تحالفات تسمح لإسرائيل بدخول جامعة الدول العربية، وقلب معادلات الصراع رأسًا على عقب.


ولكل ما تقدم تعمل القيادة الإسرائيلية بالتعاون مع إدارة الرئيس بايدن من خلال الضغط المتواصل والمكثف لدفع القيادة السعودية للانخراط في متاهة التطبيع المجاني، ولهذا لم تنفك القيادات الأميركية بدءًا من بايدن مرورًا بجاك سليفان، مستشار الامن القومي وبلينكن، وزير الخارجية، الذي وصل أمس لجدة السعودية للمشاركة في اجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وسيتوجه الأربعاء والخميس للعاصمة الرياض، سعيا وراء لقاء الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد. وكان رئيس الديبلوماسية الأميركية صرح امام منظمة "الآيباك" اللوبي الصهيوني القوي في الولايات المتحدة يوم الاثنين أول أمس الموافق الخامس من حزيران الحالي حول موضوع التطبيع بين إسرائيل والسعودية قائلاً "لدى الولايات المتحدة مصلحة فعلية على صعيد الامن القومي في إرساء التطبيع بين إسرائيل والسعودية". وأضاف "نستطيع وعلينا أن نؤدي دورًا كاملاً للمضي قدمًا في هذه المسألة". بيد أنه تدارك تفاؤله بالقول "ليس لديه أي أوهام لجهة إمكان القيام بذلك سريعًا، أو في شكل سهل". لقناعته أن الطريق ليس مفتوحًا. لا سيما وان ملف التطبيع لم يغلق، وكان مفتوحًا في الحوارات المتواصلة بين ممثلي الرياض وواشنطن، ولم تقتصر على سلفان وبايدن، وإنما كل مسؤول أميركي، بالإضافة للشخصيات اليهودية الأميركية، وأعضاء المجلسين النواب والشيوخ أثاروا الموضوع بشكل متواتر. 


لكن العربية السعودية مازالت ترفض التطبيع المجاني، ووضعت شروطا للتقدم في هذا الاتجاه، ومنها أولاً الحصول على أسلحة أميركية متطورة؛ ثانيًا الموافقة على برنامج نووي سعودي مدني؛ ثالثًا ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وضرورة أن تعلن إسرائيل رسميًا استعدادها للالتزام بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتقديم خطوات ملموسة على هذا الصعيد. والشرط الأخير لم تذكره المصادر الإسرائيلية لا من قريب أو بعيد، بعكس الشرطين الأول والثاني، اللذين اكدهما مصدر مسؤول إسرائيلي وفق صحيفة "هآرتس" يوم الأربعاء الموافق 31 أيار / مايو الماضي. إلا أن إسرائيل رفضت الشروط السعودية، لأن كلاهما حسب قول المسؤولين في حكومة الترويكا يهدد التفوق الإسرائيلي. إلا أن تساحي هنغبي، أشار في تصريح له عشية زيارته لواشنطن الأخيرة، أن الملف النووي تقرر في الإدارة الأميركية، وهو يعلم أن إدارة بايدن، أو أي إدارة أميركية لا يمكن أن تقدم على خطوة إلا بعد التشاور مع إسرائيل بغض النظر عن الحكومة الموجودة. 


ووفق مصادر فلسطينية عليمه، أكدت أن ولي العهد السعودي، أكد لسيادة الرئيس محمود عباس أثناء زيارته في نيسان / إبريل الماضي، أنه لن يقبل التطبيع دون التزام إسرائيلي واضح بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وفق محددات مبادرة السلام العربية، فضلاً عن تمسك المملكة بالشرطين المتعلقين بالأسلحة والبرنامج النووي، وعليه من الصعب وفق المعطيات الماثلة إحداث إختراق في جدار التطبيع السعودي، رغم وجود بعض النفحات التي تعكس المرونة السعودية النسبية، لكنها لا تشفي غليل إسرائيل والولايات المتحدة، ولا تصل لحد التطبيع المجاني الذي يسعون إليه.