تكمن خطورة حركة حماس بتقليدها الاستبدادي المتبع منذ سيطرتها على قطاع غزة لسعيها إلى قمع ومن ثم تغيير الوعي الجمعي التعددي في قطاع غزة نهائيا عبر القضاء على إرث منظمة التحرير الفلسطينية. تريد القضاء على الدّيمقراطية والتعددية هناك.


منذ انقلابها في قطاع غزة واستئثارها في الحكم هناك، منعت حماس جميع المظاهر الدّيمقراطية التي كانت تمارس منذ عقود، لا يتعلق الامر بقمع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، كقمعها لحراك ( بدنا نعيش2019  ) فقط، بل تعمل بكل ما أوتيت من جبروت لترسيخ مفاهيم وقيم غريبة على المجتمع الفلسطيني وأجياله الحاضرة، بمنعها الانتخابات المحلية من البلدية والنقابية و انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية بخصوص انتخابات مجالس الطلبة، تستخدم حماس طرقا ملتوية وأساليبا مثيرة للتهكم، كتعلّيقها مسؤولية عدم اجراء الانتخابات في جامعات القطاع على الجامعات نفسها، تمنع حركة حماس انتخابات مجالس الطلبة بجامعات قطاع غزة . وفي المقابل تشارك بكل قوتها التنظيمية والمالية والإعلامية لضمان تفوقها في هذه الانتخابات في الضفة الغربية، هذه المهزلة السّياسية تمارسها حماس  بكل صلافة في فلسطين.


تجدر بنا الإشارة هنا أنه في 30 نيسان/ أبريل من العام 2015 قال المتحدث باسم حركة حماس سامي ابو زهري في مؤتمر صحفي،" أنّ حركته لا تمنع اجراء الانتخابات في جامعات القطاع، وانما إدارة الجامعات هي التي ترفض اجراءها. حيث أكد أن إدارة جامعة الازهر ترفض اجراءها".
بشكل انتهازي فج، تستغل حماس الديمقراطية المتاحة لها في الضفة الغربية للتوسع و التمدد بشكل أكبر على حساب حركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية.


إن أخطر ما في الأمر، أن هناك جيلا فلسطينيا كاملا لم يمارس بيوم من الأيام حقّه الديمقراطي في الانتخاب إن كان ترشحا أو اقتراعا،  فحماس تستكثر على الشعب الفلسطيني الحرية السياسية ، وتسوق أعذارا لا مبرر لها على الإطلاق. على العكس تماما فظروف إجراء أي انتخابات في قطاع غزة هي أفضل بكثير من ظروفها في الضفة الغربية. فلا يوجد احتلال مباشر في قطاع غزة، و لا يوجد هناك من يمنع ويعرقل سير العملية الديمقراطية إلا سلطة الأمر الواقع حماس.


السّلطة التي وجه إليها سيل من الانتقادات لتأجيلها الانتخابات التشريعية والرئاسية بدعوى منع الاحتلال لها في القدس، وضرورة القيام بالانتخابات في جميع محافظات الوطن بما فيها العاصمة، إلا أنها تبدي حرصا على إجراء الانتخابات المحلية في مناطقها وانتخابات مجالس الطلبة في جامعاتها، رغم وقوعها تحت الاحتلال وما يقوم به الأخير من اعتقالات مستمرة و مضايقات لتعطيل العملية الانتخابية، ولا تعامل حركة حماس بالمثل، حيث تسمح لها بالمشاركة بالانتخابات وتمنحها حقوقها الانتخابية دون نقصان، حماس التي تمارس أقصى درجات البراغماتية السياسية بتحالفها مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المنبثقة أساسا من حركة القوميين العرب ( يسار ) في الانتخابات، كما حدث في الانتخابات المحلية في العام الفائت حيث دخل مرشحين الحركتين في قائمة واحدة.


هذا التحالف الغير مفهوم نظريا بين الجبهة الشعبية وحركة المقاومة الإسلامية، يتم فيه صهر كافة التباينات الإيدلوجية والفكرية بين الحركتين للحؤول دون فوز حركة فتح ، رغم أن الأخيرة هي شريكة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منظمة التحرير الفلسطينية التي ترفض حماس الدخول إلى مؤسساتها  فهي تعتبر نفسها بديلا عن المنظمة لا شريكا فيها.


وفي المحصلة، نجد أن حدوث الانتخابات في الضفة الغربية التي تحكمها السّلطة الوطنية الفلسطينية من الطبيعي أن يشكل عامل ضغط على حماس للقيام بها في قطاع غزة، وذلك في ظلّ تزايد المطالبات بإجرائها ووضع حد لمصادرة السلطة الحاكمة في غزة لأبسط الحقوق الديمقراطية للمواطن الفلسطيني. إلا أنه هناك رعب بائن ومتجذر في حماس من العملية الانتخابية لانعدام الثقة بينها وبين الشّارع أولا، ولقلقها الواضح مما ستفرزه صناديق الاقتراع ثانيا، هذا الخوف كان المحرك الأساسي لقيامها بالانقلاب في العام 2007، أي انتخابات لمرة واحدة وفقط.


الأمر الذي يتجلى بوضوح في كل ما سبق، هو استغلال حماس للديمقراطية للاستحواذ على الشارع في الضفة الغربية، لإضعاف حركة فتح هناك. وهذا ليس جديدا عل سلوك رؤوسها بل هي ديدنها السياسي، تذكّرنا بدخولها للانتخابات حسب اتفاق أوسلو وفوزها بها في العام 2006 وبالمقابل رفضها ومهاجمتها لهذا الاتفاق وتخوين من وقّعوا عليه ليل نهار بازدواجية معايير مفضوحة.


ليس الاستغلال والانتهاز للديمقراطية والقمع والتفرد بالحكم هما مشكلات حماس فقط، بل أن كل ما سبق، يؤكد الهوية الحمساوية الضائعة والتوهان في الخط السياسي وعدم وضوح الطريق الذي تتخبط به  الحركة بشكل واضح وفاضح.