كان الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن عشية الانتخابات جملة من الوعود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والديبلوماسية والأمنية العسكرية، جلها ترسيخ الطابع العثماني للدولة التركية، وفصلها بشكل عميق عن الدولة العلمانية الأتاتوركية، التي انشأها مصطفى كمال أتاتورك قبل قرن من الزمان، بعد انقلابه على آخر حكومة عثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ووعد بتخطي الأزمة الاقتصادية، وتأمين ما يزيد على ستة ملايين فرصة عمل جديدة، والعودة لمد الجسور مع دول الجوار والعالم، واختزال التوترات مع دول الإقليم إلى الحد الأدنى. 
لكن وفق قراءاتي للعديد من وجهات النظر المتباينة، وبالنظر للوقائع الذاتية والموضوعية، فإن فوز زعيم حزب التنمية والعدالة التركي بتفوقه على منافسه كليشدار اوغلو، قد يكون له تداعيات وتحديات أكبر مما يعتقد الرئيس الفائز للمرة الثالثة منذ عام 2014. لا سيما وأن الأزمة الاقتصادية عميقة وتتفاقم، حيث تجاوز التضخم نسبة 80%، والذي انعكس على قيمة الليرة التركية، حتى قفزت قيمة الدولار نحو العشرين ليره، وعلى زيادة نسبة الفقر والبطالة، بالإضافة لأزمة الزلزال، الذي ضاعف من التحديات الملقاة على عاتق النظام الأردوغاني.
وقال خبراء اقتصاديون، أن تركيا تواجه انهيارًا إقتصاديًا، مما سيزيد من نسبة التضخم، وهذا التضخم ليس نتاج تدخل دول الغرب الرأسمالي بقيادة أميركا، وإنما يعود لحجم الحروب التي تورط بها نظام التنمية والعدالة، مع مغادرته مبدأ "تصفير المشاكل"، التي طرحها وزير الخارجية الأول، احمد داود اوغلو في العام 2002 بعد نجاح الحزب الاسلاموي في تولي دفة الحكم. وهذا التطور انعكس سلبًا على اتساع الهوة بين أركان حكومة الرئيس المعاد انتخابه، حيث برزت تباينات في وجهات النظر بشأن البرنامج الاقتصادي، وزادت المطالبات بتغيير الخطة الاقتصادية للتمكن من مجابهة التحديات. 
ووفق وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، فإن تغيير تصنيف نركيا الائتماني الحالي (B سالب)، يعتمد على سياسة ما بعد الانتخابات، إن كانت ستصبح أكثر مصداقية وثباتا في ظل الضغط على الليرة، وتراجع الاحتياطات النقدية، وارتفاع التضخم لنسب عالية، كما ذكرت أنفًا. وأعتقد أن مضاعفة حجم الأنفاق في الحملة الانتخابية، ضاعف من صعوبة تمكن حكومة أردوغان الجديدة القديمة من تحقيق المصداقية والثبات. 
وما يزيد من الظلال الرمادية على الواقع الاقتصادي التركي وفق تقديرات خمس مصرفيين ل"رويترز" يوم الخميس الموافق 25 أيار / مايو الماضي، إن صافي الاحتياطي الدولي للبنك المركزي التركي من المرجح أن يتحول إلى سلبي خلال أسبوع، أي بعد انقشاع سحب الانتخابات التي تمت يوم الأحد الماضي الموافق 28 أيار / مايو الماضي، وهي المرة الأولى من نوعها منذ صعود حزب التنمية والعدالة للحكم قبل 21 عامًا. 
ومن جانبه نشر رئيس السياسات الاقتصادية في حزب الجيد،  بيلجه يلماز، وهو من حزب معارض لاردوغان، تغريدة ذكر فيها: إن احتياطي البنك المركزي يوشك على النفاذ، وأضاف كل شهر نسجل عجزًا بنحو 8 الى 9 مليار دولار، والشركات تطلب الدولار كي تواصل انتاجها وتجارتها، كما أن المواطنين يطلبون الدولار لعدم ثقتهم بالنظام السياسي وتساءل يلماز، كيف سيوفر اردوغان احتياجات السوق من الدولار عقب فوزه. وأضاف بالتأكيد لن يتمكن من توفيره، وسيوسع القيود على رؤوس الأموال، فمن حدد مبيعات الدولارات للشركات عند مستوى خمسة آلاف دولار يوميًا، قد يحظرها تمامًا خلال أسبوع. نتائج هذا ستكون وخيمة على الجميع، إذ سيتوقف الاقتصاد وستفلس الشركات. وهذا سيعمق الازمة الاقتصادية، لانه يؤدي للركود. 
كما أن الأزمة الحادة بين الموالاة والمعارضة ستتفاقم، نتاج احتدام التجاذب بين العلمانيين والمتدينين. لا سيما وأن نصف المجتمع وفق نتائج الانتخابات هي ضد رؤية وبرنامج أردوغان، رغم أنه قد فاز بجدارة في الانتخابات. وهذه الأزمة لا تشبه ما يجري في دول الغرب الرأسمالي المتعايش مع هكذا نسب لخاصية المجتمع التركي، أضف إلى ذلك الأزمة التاريخية مع الشعب الكردي في ديار بكر، وغيرها من المدن، وبالتالي تحمل في طياتها تصاعد حدة الصراع. 
كما أن هناك العديد من الملفات الإقليمية، ملف المهاجرين السوريين، والأزمة السورية، والملف اليوناني، والملف الليبي، والملف العراقي، وملف المياه، وملف الغاز وتشاباكاته، وملف الانضمام للاتحاد الأوروبي، وملف الأزمة الأوكرانية غير البعيد عن تركيا، وملف الصراع بين أذربيجان وأرمينيا ... إلخ.
لن تكون الطريق في الولاية الثالثة سهلة على الرئيس اردوغان، ومن المبكر التنبؤ بإمكانية استمراريته في الحكم السنوات الخمس القادمة، لأن السيناريوهات كافة مفتوحة.