في خطوة أوروبية متقدمة نسبيًا، وبعد المشاورات التي جرت على مدار اليومين الماضيين بين السفراء الأوروبيين في إسرائيل وخدمة العمل الخارجي الأوروبي في بروكسل تقرر الغاء حفل الاستقبال الأوروبي السنوي بيوم أوروبا، الذي يوافق اليوم الثلاثاء التاسع من مايو في الذكرى 73 لاعلانه في تل أبيب ردًا على تكليف نتنياهو، رئيس حكومة الترويكا الفاشية وزير ما يسمى الأمن القومي، إيتمار بن غفير لتمثيل الحكومة، وجاء في بيان الإلغاء أمس الإثنين أنه "لسوء الحظ، قررنا (السفراء) إلغاء حفل الاستقبال الدبلوماسي، لأننا لا نريد أن نعطي منصة لمن تتعارض وجهات نظرهم مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي".  مما أثار ردة فعل لدى زعيم "العظمة اليهودية"، وعقب على الخطوة الأوروبية بالقول "إنه لأمر محزن أن يمارس الاتحاد الأوروبي، الذي يدعي أنه يمثل قيم الديمقراطية والتعددية الثقافية، إسكات غير دبلوماسي"، وتجاهل من يكون، وماذا يمثل، وتناسى انعكاس استقباله على القيم الأوروبية.        

وكان حصل إرباك في أوساط سفراء دول الاتحاد الأوروبي في كيفية الرد على تكليف رئيس الحكومة السادسة الوزير الأكثر نفورًا ورفضًا في الأوساط الداخلية والخارجية، ووفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية امس الاثنين 8/5 تداول السفراء في جملة من السيناريوات، أولاً استقبال ممثل الحكومة الفاشية، لكن دون منحه فرصة القاء كلمة، فأعلنوا الغاء كل الكلمات المقررة عادة في هكذا احتفال. ثم طرح اقتراح آخر، تأجيل الاحتفال لبعض الأيام لحين تغيير الحكومة الإسرائيلية بن غفير، وإرسال بديل. لكن السفراء ومكتب العمل الخارجي في دول الاتحاد، خشيوا أن يتشبث بن غفير على القدوم، والإصرار على القاء كلمة في الاحتفال، لا سيما وأن بيانًا صدر باسمه يوحي بذلك، جاء فيه إن "الوزير يعتقد انه حتى لو كان ممثلو الاتحاد لا يؤيدون وجهات نظره ... فهم يفهمون جيدًا إن إسرائيل دولة ديمقراطية، وفي الديمقراطية يسمح سماع آراء مختلفة". وبناءً على ذلك قرروا إلغائه، حتى لا يتورطوا في المحذور.  

وكان السيد بيتر ستانو، المتحدث باسم السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي صرح أمس الإثنين "نحن لا نؤيد الآراء السياسية للسيد بن غفير. نحن لا نؤيد الآراء السياسية لحزبه لانها تتعارض بشكل صارخ مع جميع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي". ومازال حدث الغاء الفعالية الأوروبية بيوم أوروبا يتفاعل في الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية والأوروبية وعلى أكثر من مستوى وصعيد، ومنها ما صرح به زعيم المعارضة الإسرائيلية، يئير لبيد على قرار الاتحاد الأوروبي بالقول أن "الحكومة تتأرجح في خلافات لا داعي لها، وقد خلقت أزمة مع الاتحاد فقط حتى يحرجنا بن غفير مرة أخرى أمام العالم بخطاب لا داعي له".

ويتضح من سياق الوقائع الخاصة بتكليف نتنياهو لوزيره الفاشي والمعادي للسلام، أنه كان يهدف لتوسيع دائرة التناقض مع دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولاً فرض أجندته وخياره عليها، وإرغامها على استقبال ممثله المنبوذ في يوم هام وتاريخي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ذكرى اعلان روبرت شومان، وزير الخارجية الفرنسي، الملقب "أبو أوروبا" واللاعب الرئيسي لاقامة وتأسيس أول اتحاد أوروبي باسم "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب." في التاسع من مايو 1950، التي تعتبر باكورة وركيزة تأسيس دول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بستة دول، ثم توسعت تدريجيًا إلى أن وصلت ل 27 دولة تضم الغالبية العظمى من دول القارة الأوروبية. 

وكما يعلم الجميع الاتحاد الأوروبي ليس اتحاد فيدراليا، ولا كونفيدراليا، ولا اتحاد جمركي، بل هو اتحاد مختلف عن تلك النماذج، والهدف الأساس من إقامته منع الحروب بين دول القارة العجوز، ثانيا تعزيز الشراكة والتكامل بين دوله المختلفة؛ ثالثًا تأسيس عملة أوروبية واحدة "اليورو"؛ رابعًا ترسيخ الديمقراطية الأوروبية؛ خامسًا وهدف لم يعلن، هو حماية أوروبا من الأعداء والخصوم. وإن كان التناقض القائم بين دول الاتحاد عميق بعمق الطموحات القومية بين دوله. 

وعود على بدء، فإن إلغاء الاحتفال الأوروبي، ورفض السفراء استقبال والتعامل مع ما يسمى وزير الأمن القومي، بن غفير تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، وعلى دول الاتحاد أن تطور من مواقفها وصولاً لممارسة الضغوط، وفرض العقوبات على حكومة نتنياهو الفاشية لالزامها باستحقاقات السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، والعمل على تأمين الحماية الدولية لأبناء الشعب الفلسطيني، وتحشيد الأقطاب والدول في العالم وعشية يوم النكبة ال75 لإعلاء صرح السلام، وتخطي الفيتو الأميركي إن كانت جادة في رفض السياسات الإسرائيلية المتناقضة مع القيم الأوروبية.