ما بين مد وجزر شهدت الأزمة اليمنية بعد ثمانية أعوام بداية تلمس طريق الخروج من عنق الزجاجة مع الاتفاق على الهدنة لمدة ستة أشهر بين الأطراف المتصارعة في مطلع نيسان / إبريل 2022، ورغم التعثر النسبي مع انقضاء الشهور الستة الأولى استمرت الهدنة بين الحوثيين وأنصار الحكومة الشرعية، إلى أن تمكنت بكين من أحداث اختراق جدي في ملف العلاقات السعودية الإيرانية في مطلع آذار / مارس 2023، الذي فتح الأفق واسعًا أمام الطرفين اليمنيين للتقدم الجدي لبناء ركائز عملية سياسية ناجحة، ساهم فيها بثقل النظام العماني، وتوج باللقاء في نيسان / إبريل الماضي بين وفد سعودي عماني مشترك مع القيادة الحوثية، نجم عنها تبادل واسع للأسرى بين الطرفين اليمنيين. 

وتمكنت الصين بجدارتها من ترميم الجسور بين كل من الرياض وطهران، لأن الطرفين العربي والإقليمي تولدت لديهما الرغبة في وقف عملية الاستقطاب والتجاذب. لا سيما وأن الحروب الدائرة في أكثر من ميدان وساحة عربية، وارتباط ملفاتها بالصراع الدائر بينهما، أثقلت كاهل البلدين. فضلاً عن أنها استنزفت طاقات وثروات الشعوب المتورطة بالصراعات الداخلية، ولادراك كلا الفريقين أن التدخل الأممي الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأميركية لم يحقق الغايات المرجوة منه، لا بل العكس صحيح، تبين لهما أن ذلك التدخل لم يحمل في طياته سوى المزيد من أشعال فتيل نيران الحرب في اليمن، مما دفعهما لإدارة الظهر لذلك التدخل. 

وفي ظل الأجواء الايجابية النسبية التي تحققت على الساحة اليمنية، بات من الواجب توسيع رقعة السلم الأهلي، وإعادة بناء اليمن على أسس جديدة تستجيب لحاجات ومصالح الشعب الشقيق العليا. وهذا يفرض خلق مناخ أكثر دفئًا وملائمة لتحقيق تلك الغاية من خلال وضع رؤية برنامجية يمنية مشتركة بين النخب السياسية المختلفة تقوم على أولاً الاتفاق إعادة الاعتبار لوحدة اليمن السعيد، ورفض المحاصصة والتقسيم الجهوي والمناطقي والاجندات الخارجية جملة وتفصيلاً؛ ثانيًا توحيد المؤسسات والوزارات والجيش والأمن في بوتقة واحدة على أسس وطنية؛ ثالثًا اعتماد ضحايا المعارك كشهداء للشعب اليمني، ومعالجة جرحى الحرب ودعمهم لإعادة تأهيلهم لمواصلة الحياة بحرية وكرامة؛ رابعًا التحرر من القيود الإقليمية والدولية، وطرد كل القوى التي تغولت على الأرض اليمنية خلال العقد الماضي، وتصفية القواعد الإسرائيلية والأميركية والغربية عمومًا التي تم انشاءها في ذات الفترة؛ خامسًا عقد اجتماع موسع يضم القوى السياسية الفاعلة في المشهد اليميني لاعتماد برنامج اجماع وطني بالارتكاز على القواسم المشتركة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا وثقافيًا وتربويًا؛ سادسًا الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة انتقالية تضم كافة الأطراف الفاعلة في المشهد اليمني؛ سابعًا وضع آليات محددة ووفق برنامج زمني واضح لعودة كل المهجرين اليمنيين دون التعرض لهم، ثامنًا إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لإعادة تنشيط الحياة السياسية والبرلمانية، ولتعميق الروابط بين مكونات اليمن الواحد الموحد؛ تاسعًا إقامة علاقات سياسية وديبلوماسية مع كافة الدول تقوم على أساس الندية واحترام السيادة اليمنية وترفض التداخل في الشؤون الداخلية من قريب أو بعيد لهذا الطرف أو ذاك؛ عاشرًا وضع خطة وطنية لإعادة إعمار المحافظات والمدن والقرى والموانىء التي تضررت بفعل الصراع الدامي خلال العقد الماضي. 

وهناك قيادات يمنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والكاريزما يمكن الاعتماد عليها في المرحلة الانتقالية لاخراج اليمن من دوامة الصراعات الجهوية أو الطائفية وغيرها، ويستحضرني الآن أسماء وازنة مثل الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، وأبو بكر القربي، وعلي عبد الكريم وعلي محسن، وغيرهم الكثير من أبناء الشمال والجنوب الذين لم يتورطوا في الصراع الدائر، وكان هاجسهم وحدة اليمن، وإنهاء الصراع، وحقن الدماء البريئة، ونهوض اليمن على مختلف الصعد والمستويات..