أشهرت بعض جماعات المستوطنين المجرمين أسماءها تحت عناوين عدة منها مثلا "تدفيع الثمن"، حيث يرتكب هؤلاء المجرمون أعمالا تخريبية وإرهابية بحق المواطنين الفلسطينيين الآمنين الأبرياء وأرزاقهم وبيوتهم كلما سنحت لهم الفرصة، لكن كثيرنا لا يربط بين "تدفيع الثمن" كفعل إجرامي على مستوى مستوطنين، وكنموذج مصغر، وبين سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها رؤوس المنظومة العسكرية والسياسية كنموذج لإرهاب الدولة.. مع الملاحظة أن وحش "تدفيع الثمن" قد حقن بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست بجرعات تسمين ركبت عناصرها في مختبر ائتلاف الليكود والصهيونية الدينية والعظمة اليهودية، فانقض المستوطنون وفي داخل كل منهم وحش مدفوع بغريزة "تدفيع الثمن" على بلدة حوارة جنوب نابلس ليفرغوا نيران عدائيتهم للإنسانية بهمجية، ليست مسبوقة - رغم اختلاف أدوات وأسلحة الجريمة- إلا من أسلافهم: أعضاء التنظيمات الصهيونية المسلحة الذين ارتكبوا المجازر وسفكوا دماء المواطنين الفلسطينيين الأبرياء قبل وبعد إنشاء كيان منظومة الإرهاب المسماة "إسرائيل"..التي أسس ساستها الإرهابيون أصلا لمنهج العقاب الجماعي تحت عناوين عديدة، فباتت منظومة الاحتلال (إسرائيل) الفريدة في هذا العالم التي تفرض العقاب الجماعي كوسيلة وأداة موازية للمجازر والقتل والتدمير والتهجير والاستيطان لإرهاب الشعب الفلسطيني. 

إنها سياسة العقاب الجماعي، فبسرعة خاطفة تطبق قوات الاحتلال على مداخل المدن، وتنصب الحواجز العسكرية، إضافة إلى الدائمة على الشوارع الرئيسة بينها، وتفرض حصارا خانقا، وتمنع الخروج منها، وتشدد إجراءات الدخول، ما يعني تكبيل حركة مئات آلاف المواطنين لأيام، وإرباك الحياة اليومية  للمواطنين الفلسطينيين إن لم يكن تعطيلها، على سبيل المثال التعليم والصحة والوظائف الحكومية والخاصة، أما الاقتصاد الفلسطيني فيصاب بخسائر فادحة نتيجة تعطيل الحركة بين المدن، وعلى المعابر، ما يعني أيضا توجيه ضربات قوية لمصالح المواطنين المضطرين للسفر في مواعيد محددة والمثال على ذلك إغلاق معبر الكرامة في أريحا ومنع المغادرين، إثر مقتل مستوطن على شارع 90  الرئيسي، ويتوج الإغلاق والحصار بتنكيل وعنف ضد المواطنين الفلسطينيين الذين يحاولون ولو مجرد الإعراب عن غضبهم، أو محاولة الوصول إلى أطفالهم المقطوعين بلا رعاية في منازلهم، نظرا لوجود آبائهم أو أمهاتهم في أعمالهم خارج المدن التي يقيمون فيها، فتنال قرارات جيش منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (إسرائيل) المفاجئة من طمأنينة المواطن الفلسطينية وتدفعه للخوف على مصير أبنائه الذين قد تتقطع بهم السبل لأيام عدة كما حدث في عملية إغلاق مداخل مدينة أريحا لحوالي أسبوع قبل فترة، وزادوا عليها حصارا وإغلاقا بدأ عصر يوم الإثنين الماضي وما زال مستمرا حتى كتابة هذه السطور وكل ذلك بذريعة البحث عن مواطن فلسطيني أصاب جنودا أو مستوطنين في شارع يؤدي لهذه المدينة الفلسطينية أو تلك. 

تدعي منظومة الاحتلال الإسرائيلية امتلاكها أقوى نظام أمني واستخباراتي في العالم، مدعوم بوسائل استطلاع واستخبارات قل نظيرها، ورغم ذلك تتخذ سلطة الاحتلال عملية ما لمواطن فلسطيني لتطبيق سياسة العقاب الجماعي المخالفة أساسا للقانون الدولي، ومثال على ذلك المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة  ونصها: "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب" ..، أما  منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية "إسرائيل" فهي دولة ناقصة مخالفة للقانون الدولي، لعدم تلبيتها شروط ضمها كدولة عضو للجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذه المنظومة لم ولن تلتزم أبدا بالقانون والشرائع والمواثيق الدولية، لذا فإن التركيز على كشف منهج إرهاب رؤوس هذه المنظومة المحتلين الفاشيين سيكون أجدى. 

لم تحقق منظومة الاحتلال أهدافها من سياسة العقاب الجماعي ولن تحققه، ولم تفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني ولن تفلح، فالفلسطيني أدرى وأعلم بشعاب أرض وطنه، فيتخطى الحواجز العسكرية ويصل إلى هدفه مهما كلفه ذلك من مشقة السفر في الطرق الترابية الوعرة، صعودا في التلال وهبوطا إلى الوديان، ثم وصولا إلى ممرات في بلدات وقرى يسارع أهلها الكرماء لتقديم العون وعرض أماكن لاستراحة ومبيت الراجعين العائدين إلى بيوتهم وأطفالهم.