ساهر عمرو

حالة من القلق والخوف يعيشها الأهالي على مستقبل أبنائهم الطلبة، في ظل عدم انتظام المسيرة التعليمية بسبب إضراب المعلمين، ما دفعهم إلى البحث عن بدائل وحلول للحد من الأضرار الناتجة عن ذلك، ولإنقاذ عامهم الدراسي.

الإقبال على الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية، كان أحد الحلول إن لم يكن الوحيد، الذي يلجأ إليه الأهالي لتعويض النقص في تحصيل أبنائهم، ليجدوا أنفسهم بين مطرقة الإضراب الذي عطل المسيرة التعلمية، وسنديان الدروس الخصوصية ذات التكاليف المرتفعة، والتي تشكل عبئا إضافيا يثقل كاهلهم، في ظل ظروف اقتصادية صعبة يمر بها الشعب الفلسطيني.

الملفت أن هذا الإقبال لا يقتصر فقط على طلبة الثانوية العامة "التوجيهي"، بل تعداه ليشمل مراحل أخرى، خاصة المرحلة الأساسية التي تعتبر مرحلة مهمة جدا تؤسس الطالب للانتقال إلى المراحل القادمة، بالإضافة إلى طلبة الصف "العاشر"، الذي يعتبر مدخلا أساسيا يحدد توجهات الطالب واختياراته في الثانوية العامة.

المواطنة أم محمود من الخليل لديها خمسة أبناء يلتحقون بالمدارس، أحدهم في المرحلة الثانوية "التوجيهي"، تقول: إن نجلها الأكبر سجل منذ بداية العام في مركز للدروس الخصوصية في مادتين فقط بتكلفة عالية جدا، ولكن مع بداية الفصل الدراسي الثاني، أصبح الأمر مختلفا، ويجب أن يأخذ دروسا في معظم المواد.

وتتابع: "لم يقتصر الأمر عليه فقط بل بات من الضروري إعطاء باقي أشقائه دروسا، في ظل توقف العملية التعليمية، خاصة أنهم في مراحل تأسيسية مهمة جدا، ما يثقل كاهل الأهالي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها".

وسط مشاعر من الخوف والغضب، عبر عدد من طلبة الثانوية العامة  لـ "وفا" أثناء احتجاجهم على توقف العملية التعليمية وسط الخليل، عن تخوفهم من استمرار هذا الوضع، خاصة في ظل قصر الفترة الزمنية المخصصة للفصل الدراسي الثاني، ما يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبلهم.

ويوضح عدد من الطلبة المحتجين، أن لا خيار أمامهم سوى الدروس الخصوصية التي هي باهظة جدا، إذ تصل رسوم المادة التعليمية الواحدة ما بين 300-500 شيقل في المراكز التعليمية، وما يقارب 150 شيقلا للساعة الواحدة في البيوت، ويتابعون: "في ظل الوضع القائم، لم يعد الأمر مقتصرا على بعض الدروس المساندة في مواد مختارة، بل أصبح هناك حاجة ملحة في معظم المواد، ما يؤدي إلى مضاعفة التكاليف"، مشيرين إلى أن العديد من الطلبة لا يستطيعون أخذ الدروس الخصوصية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وعجز الأهالي عن توفير الإمكانيات المالية اللازمة لتغطية التكاليف الباهظة.

أحد أصحاب المراكز التعليمية في الخليل، يشير إلى أن هناك إقبالا كبيرا على التسجيل في الدورات التعليمية، ووصل الأمر إلى حد الاكتظاظ في بعض المواد، ليتم التحول إلى إعطاء الدروس في المنازل، والتي تكون عادة ذات تكلفة مالية أكبر، إذ تكون الدروس لطالب واحد.

ويضيف، ما قبل الأزمة الحالية، كان النشاط في المراكز يقتصر على دورة أو اثنتين في مواد محددة لطلبة "التوجيهي"، إلا أن الوضع في هذه الأيام مختلف تماما، فهناك إقبال كبير على العديد من المواد وللمراحل كافة، وعزا ذلك إلى شعور الأهالي بالخوف على مستقبل أبنائهم، في ظل توقف المسيرة التعليمية، ما راكم أعباءً مالية إضافية على الأهالي، جعلهم عاجزين عن الوفاء بها.

من جانبه، يرى المربي خالد أبو الحسن مدير مدرسة الشهيد ماجد أبو شرار الثانوية للبنين، أن ظاهرة الدروس الخصوصية ليست جديدة، لكنها انتشرت بشكل كبير خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب جائحة "كورونا"، وتصاعدت بشكل لافت وخطير في الآونة الأخيرة، نتيجة الظروف التي تمر بها المسيرة التعليمية، والتي أدت إلى تعطلها.

واعتبر أن هذا الإقبال هو ترجمة لحالة الإرباك والخوف اللتين يشعر بهما الأهالي على مستقبل أبنائهم الطلبة، نتيجة للظروف السائدة، وهو محاولة منهم للحد من الآثار السلبية المترتبة على تعطل المسيرة التعليمية.

وحول الآثار المترتبة على الانتشار الكبير لهذه الظاهرة، يقول أبو الحسن: "ليست ظاهرة صحية، وآثارها السلبية لا تقتصر فقط على مضاعفة الأعباء المالية وتعميق معاناة الأهالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، بل تمتد لتطال العملية التربوية والتعليمية".

واعتبر الدروس الخصوصية استبدالا للجانب التربوي في العملية التعليمية، وتُسقط العديد من عناصر البيئة التعليمية المهمة، والتي لا يمكن لها أن تتوفر إلا ضمن النظام المدرسي، ما ينعكس سلبا على مستويات التحصيل العلمي والتربوي للطالب.