تتضاعف آلامنا ونحن نرى ونسمع ونقرأ كيف يحرف المستثمرون في السياسة القذرة البوصلة، فبعد كل مجزرة يرتكبها جيش الاحتلال والعدوان الإسرائيلي بأمر من قيادته السياسية، حيث يسارع مسؤولون وناطقون من جماعة الاخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى حماس إلى بث سمومهم في وسائل إعلام وتواصل اجتماعي بتركيز ضوء اتهامات لا منطقية ولا مشروعة ولا قانونية  ولا أخلاقية أيضًا للقيادة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويبدأون في تنفيذ خطط جاهزة ومعدة سلفًا لإثارة مشاعر مضادة عبر ضخ معلومات كاذبة ومزيفة، أما الهدف فمكشوف، وهو إضعاف الموقف الوطني العام والسلطة الوطنية، وخلق فجوة واسعة ما بين الجماهير وقوات الأمن الوطني بكل مسمياتها، وهذا السيناريو تم تجربته في قطاع غزة، وحقق نجاحًا بذروته في أيام الانقلاب الدموي، مع اختلاف بسيط في مشهد النهاية، وهو أن حماس لن تستولي على السلطة هنا في الضفة الفلسطينية لأسباب منها جغرافية وأخرى أمنية إسرائيلية، لكنها –حسب التقديرات المستخلصة من الوقائع والأحداث إن لم يكن الأمر منسقًا بدقة مع منظومة الاحتلال الإسرائيلي- ستساهم بعملية إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية ومن ثم زلزلة المشروع الوطني وتحويله إلى ركام، ما يعني تحقيق الهدف الأكبر وهو إسقاط منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتحويل التمثيل إلى جماعات مستنسخة من تجربة روابط القرى، تسيطر عليها حماس وأتباعها ومن يدور في فلكها، أما الدعم فتولى جهات خارجية: "دول وقوى إقليمية"، منها من يسعى لتحقيق مناطق نفوذ لسلطانه ولتقوية أوراقه التفاوضية، ومنها غارق حتى أنفه في التطبيع مع الاحتلال.

المثير للنظر والتفكير تزامن هذه الحملات الدعائية التحريضية على القيادة الفلسطينية وسياستها الوطنية  والأجهزة الأمنية، في خضم وذروة معركة الأسرى الفلسطينيين مع منظومة الاحتلال، بعد شرعنة  الاغتيال البطيء لأسرى في المعتقلات وإقرار جريمة الحرب بقانون، حيث سيحرم الأسرى من العلاج، وبذلك يدمغ كنيست منظومة الاحتلال حكومة دولته (إسرائيل) بطابع همجية وإرهاب الصهيونية الدينية والعظمة اليهودية الليكودية. 

جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية، سارعت لتوفير المساندة الفعلية للأسرى الذين قرروا خوض المعركة باقتدار وإصرار، وعقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" اجتماعًا موسعًا لقياداتها في كل المناطق، في قاعة أحمد الشقيري في مقر الرئاسة الفلسطينية لتأكيد استراتيجية المساندة الوطنية للأسرى على الصعد كافة، فالمعركة لا تحتمل إلا نتيجة واحدة في نهايتها، وهي الانتصار ومنع ما يسمى وزير الأمن الارهابي بن غفير، فهذا المتخوم بالعنصرية ومفاهيم التفوق من فرض قوانين حكومته الفاشية على أبطال لم يهابوا الموت في ميادين النضال، ومازالوا على عهدهم بالوفاء لوطنهم ومازال شعبهم معهم لتجسيد حقهم في الحرية. 

إن افتعال خصومات وصراعات ثانوية في لحظة مصيرية من تاريخ كفاحنا الوطني ضد منظومة الاحتلال الاستعمارية، وحرف البوصلة عن جهة العدو الرئيسي لا يمكن اعتبارها جهلاً، ولا رؤية عوراء، وإنما مقصودة، على فاعليها التفكير مليًا بما يفعلونه، لأن الجماهير ستنصب ميزان محكمتها التاريخية، عندما تخرج من دوائر الانفعال المشروع الذي تتسبب به مشاهد الدماء المسفوكة على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي! فلا أمر أفظع من استغلال دماء الشهداء وتضحيات شباب فلسطين لأهداف حزبية فئوية لا صلة لها إطلاقًا بالمصالح الوطنية العليا، ولا بالمبادئ الناظمة لكفاح الشعب الفلسطيني، ولا أخطر على المشروع الوطني ممن يستخدمون مشاعر وعواطف الجماهير الفلسطينية مع الشهداء ويوظفونها في حملات إعلامية دعائية، وكأنهم يستثمرون في قطاع التجارة!!

 

المصدر: الحياة الجديدة