تُطوع وفاء عاروري مادة الريزن بين يديها لتشكل إكسسوارًا جميلاً يوضع في السيارة كتبت عليه دعاء لحفظ حامله، "اليوم يوجد الكثير من الأشكال والألوان للإكسسوارات وغيرها ولأننا في تطور دائم بحثت عما يميزني عن غيري في صناعة الإكسسوارات لأقرر الاتجاه نحو الريزن، وأحصل على تشكيلات وتصاميم مبتكرة وأكثر جودة تحظى على حب الناس وإعجابهم"، تقول وفاء، فن الريزن أحد فنون الحرف اليدوية التي تنتج عنها أشكال متنوعة تدخل في العديد من المجالات وأكثرها انتشارًا مجال الإكسسوارات، وتتميز الأعمال بالريزن بأنها شفافة لامعة تشبه الزجاج، وصلبة ومقاومة للعوامل الخارجية، وخاصة الكسر.

العاروري واحدة من آلاف الفلسطينيين الذين وجدوا ان مصدر دخلهم يكمن باستقلاليتهم وبمشاريعهم الخاصة اذ تفيد بيانات وزارة الاقتصاد الوطني بأن 5520 من المشاريع المسجلة في الوزارة خلال العام الماضي هي مشاريع فردية بارتفاع نسبته 100 % مقارنة بالعام الذي سبقه.

ترتدي عاروري التي اطلقت على مشروعها اسم "اكسسوارات جولان" على اسم طفلتها، القفازات وهي تخلط كميات الريزن والريزن المصلب ببعضها البعض داخل وعاء خاص، بعد ان قاست الكميات بميزان للغرامات بنسب مئوية دقيقة، تشير الى أن من يعملون بالريزن يعانون من شح المواد الخام لدينا، واقتصار توفرها في ثلاثة محلات تبيع المادة، ما يعرض المادة للاحتكار ويضاعف سعرها، فتبلغ أرخص نوع من الريزن لدينا 70 شيقلا، وانواع اخرى تصل الكيلو الى 120 شيقلا، كما أن أسعار قوالب السيلكون المستخدمة في تشكيل القطع مرتفعة التكلفة، ولذلك تصبح اسعار القطع النهائية من الريزن على الزبون مرتفعة نتيجة ارتفاع المادة الخام.

وتستلهم عاروري أعمالها بالريزن من الطبيعة أحيانا، فتدخل الورود في صناعتها والحجارة والصدف ما يجعل قطعها المختلفة الأشكال والألوان تنبض بالحياة

حاولت عاروري تعلم فن الريزن من خلال اليوتيوب لكنها وجدت صعوبة في ذلك، لأن الأعمال بالريزن تختلف عن المجالات الأخرى، فاحتاجت للالتحاق بدورة مع مدربة ماهرة لمدة شهرين لتعلم هذا الفن، وكانت عاروري من بين عشر مشتركات، أكملت مشوراها في هذا الفن بعد انتهاء التدريب، ليصبح مشروعها الشخصي الصغير بعيدًا عن مهنة الصحافة والإعلام التي هي مهنتها الأساسية، محاولة اضافة على ما تعلمته طابعها الخاص لتجعل قطعها مميزة مختلفة تنبض حيوية.

تقول عاروري: "مادة الريزن جميلة وأصبحت منتشرة في العالم وتتميز بجمال قطعها، وبالإمكان تشكيل العديد من الأشكال منها من خلال قوالب الريزن أو دون قوالب باستخدام أدوات منزلية مثل الكأس أو الصحن أو أي شكل نريده".

وتستخدم عاروري العديد من الألوان في الريزن مثل الشفافة والمعتمة والفسفورية وألوان المايكا والبيجمنت.

وفاء عاروري من قرية عارورة، خريجة الصحافة والاعلام من جامعة بيرزيت 2015، وتعمل حاليا في الصحافة، متزوجة ولديها طفلة، وبعد ولادتها وأثناء إجازة الأمومة شعرت عاروري بفراغ كبير في وقتها، وخاصة انها اعتادت العمل لساعات طويلة خارج المنزل ولم تعتد على وقت الفراغ الكبير، ففكرت باستغلال وقتها بما هو مفيد لها.

وبعد تفكير اتجهت لموهبة كانت تحلم بتنميتها وهي العمل اليدوي في الريزن، وهو مادة صلبة كيماوية تشكل منها أشياء كثيرة، مكونة من مادة الريزن والريزن المجفف الذي يتم خلطه مع بعضه البعض لصنع إكسسوارات ومناظر للمنازل والصالونات وتعليقات للسيارات وديكورات للمنازل وهدايا للمكاتب وغيرها.

تقول عاروري: "بدأت بملء فراغي بمعرفة فن الريزن أكثر من خلال اليوتيوب، ثم الالتحاق بدورة خاصة لتعلمه، وبعدها بدأت بصناعة اكسسوارات بسيطة".

وكانت عاروري تهوى تصميم المشغولات اليدوية وتنسيقها، ووجدت بإجازة الأمومة فرصة لاكتشافها أكثر، تقول: "كنت دائما عندما أقابل صاحبات المشاريع الصغيرة، لعمل تقارير وقصص عن نجاحهن، أسأل نفسي عن ماذا يميزني أو ما هي موهبتي لأنميها غير الصحافة والاعلام".

وتشجعت عاروري أكثر للخوض بهذه التجربة عندما جاءت هدية لابنتها من الريزن عبارة عن سلسال مع لهاية ودبوس واسوارة للبيبي.

أول أعمال عاروري وتجربتها كانت بصنع أشياء بسيطة من الريزن لابنتها وعائلتها وبدأت بنشرها على وسائل التواصل الخاصة بها، لتلقى اقبالا جيدا عليها، ورغبة من الناس باقتناء أعمال فنية يدوية من الريزن، وما ساعدها وجود عدد كبير من المتابعين على صفحتها وهم الذين كانوا يتابعون أعمالها الصحفية، كما تعاقدت مع شركة لتوصيل الطلبيات للمناطق خارج رام الله.

تعمل عاروري كل قطعة من الريزن بشغف كبير، وكانت بالبداية ترسل لمدربتها كل ما تنتجه لأخذ الملاحظات عليها، لتنمي موهبتها بالشكل الصحيح، تقول: "أعمل كل قطعة من صميم قلبي وأضع فيها ابداعي فأدخلت الورد الطبيعي المجفف والخرز والكريستال والصدف والحجارة  والصور وغيرها بالقطع التي أصممها".

كما تدخل عاروري اللغة العربية بالقطع التي تنجزها وخاصة أن الإكسسوارات يغلب عليها الكتابة باللغة الانجليزية ولغات أخرى، فهي حاولت إدخال الآيات القرآنية واللغة العربية بالقطع التي تنتجها ما أعطاها ميزة خاصة خاصة عن المستورد المتواجد بالسوق.

وتشير الى أن الجميل بعمل الريزن انه يعطي مجالاً للإبداع فهو مادة "مطيعة" يمكن تشكليها كما تريدين.

وكان لدى عاروري تخوف من عدم النجاح، لكنها تجاوزته واثبتت لنفسها انها تستطيع العمل بمشروع خاص إضافة الى عملها بالصحافة والاعلام، ووجدت أن العمل اليدوي مريح نفسيا وفرصة لتفريغ الضغوطات التي تواجها في العمل الصحفي لما تجده من قصص مؤلمة من تغطية لقصص الشهداء والأوضاع الميدانية الصعبة وغيرها من القصص الفلسطينية المؤلمة.

عندما تدخل الى غرفة العمل بالريزن تنسى نفسها ولا تشعر بمرور الوقت، ما انعكس عليها بشكل ايجابي، وجعلها تصبح اكثر صبرا، وطولة بال ويبعدها عن التوتر، إلا أن عملها بالصحافة والاعلام ساعدها في نشر انتاجها لأن لديها متابعين من مناطق مختلفة.

وتحرص عاروري على المشاركة بالمعارض لأنها تحقق مردودًا ماديًّا جيد، وتحصل على ردود أفعال الناس وجهًا لوجه، وترى مدى حبهم للأعمال اليدوية بالريزن، وتشجيعها على الاستمرار وشعورها بالانجاز وأخذ الملاحظات، وخلق أفكار جديدة.

وتحتاج عاروري بالقطعة الواحدة من ثلاثة ايام لتصل احيانا الى اسبوع لتجف المادة، وهذا يعتمد ايضا على حجم القطعة وما تدخله بها من مواد طبيعية مجففة وغيرها، وتحتاج ان تصبه على مرحلتين الأولى هي القاعدة او الاساس ثم التصميم والطباعة ثم الصبة الأخرى.

وعند العمل بالريزن يجب أخذ الإجراءات الاحترازية وخاصة وقت صب المادة. وتستخدم عاروري قوالب السيلكون في تشكيل قطعها وأحيانا تستخدم بعض المواد المتوافرة بالبيت مثل الكأس أو الصحن أو غيرها بحيث تتفنن في كل قطعة على حدة.

وترى عاروري إن العمل بالريزن هو أصعب أنواع الأعمال والحرف اليدوية ومن يستطيع العمل به يستطيع العمل بأي عمل يدوي آخر، فهو يحتاج الى دقة وحسابات وابداع في التنسيق ويحتاج خيالا واسعا لتخيل شكل القطعة قبل الانتهاء منها، وقطعه تدوم طويلا لانها ذات جودة عالية.

تشعر عاروري بالفخر بنفسها وبعملها لأنها استطاعت أن تخلق مشروعًا خاصًّا بها لمستقبلها ومستقبل عائلتها، يشعرها بالاستقلال والنجاح والتميز ويساعد في إعالة الأسرة، وتطمح بالمشاركة في معارض ودورات دولية، لتنمية موهبتها والتسويق لإنتاجها.