مها الشيخ

بعد وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا قبل أيام، وراح ضحيته أكثر من 16 ألف شخص، بدأ تداول شائعات عبر وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، جُلُّها تتنبأ بزلزال مدمر سيضرب فلسطين.

بعض المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، تنافست فيما بينها بنقل اخبار وتحليلات حول الهزة الأرضية الأولى التي ضربت جنوب شرق نابلس قبل يومين، دون الاعتماد على مصدر متخصص أو جهة رسمية، لدرجة أنه لم يعد بمقدور أحد التفريق بين الصحيحة منها والمفبركة.

ويقول أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة بيرزيت محمد أبو الرب: "في أوقات الأزمات، تسهل عمليات التزوير والتزييف، إذ يكون للأفراد الاستعداد المسبق لتصديق أي شيء، ويكونون محكومين بمشاعر الصدمة والخوف والحزن، والفرد يميل إلى تصديق المعلومات الغريبة غير الاعتيادية، بعيدا عن التفكير العقلاني".

ويضيف: الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا والمشاهد المؤثرة القادمة من هناك عبر وسائل الاعلام المختلفة، جعلت المواطنين يشعرون بالخوف والذعر والهلع، خاصة في ظل انتشار الأخبار المغلوطة التي تحدثت عن زلزال قوي سيضرب فلسطين، والكثير من المواطنين صدقوا تلك الأخبار، واستسهلوا تداولها، لأنهم يعتقدون أن وقوع زلزال أصبح ممكنا.

ويتابع: الحل الأمثل لوضع حد لتداول تلك الاخبار المغلوطة والشائعات، أن تقوم الجهات المختصة بتقديم المعلومات الدقيقة والمسؤولة بالسرعة المطلوبة قبل انتشار الشائعات، لطمأنة المواطنين، الذين يتوجب عليهم أيضا التحقق من منطقية المعلومة ومصداقية الموقع الذي نشرها، قبل تصديقها وتداولها، لا سيما أن المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي مبالغ فيها في كثير من الأحيان، وفيها جرعة من العاطفة.

ويشير إلى أن الحديث عن حالة الطقس لا يختلف عن تداول الإشاعات الخاصة بالزلزال، فكثير من هواة الطقس مثلا ينشرون إشاعات في فصل الشتاء حول أحوال الطقس وتراكم الثلوج، وغالبا ما تكون غير صحيحة وتثير حالة من الهلع لدى المواطنين، الذي يصدقون ذلك ويبدؤون بالتهافت على المخابز والمحال التجارية للتمون، علما أن أدق المعلومات تصدر عن دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية.

مؤسس ومدير المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية "تحقق" بكر عبد الحق، يقول لـ"وفا": "من الطبيعي أن يكون هناك تدفق كبير للمعلومات في ذروة الأحداث غير الاعتيادية كالكوارث الطبيعية أو حتى اقتحامات الاحتلال للمدن والبلدات الفلسطينية، التي في غالبيتها تكون غير دقيقة".

ويرى أن الأساس في محاربة هذه الاخبار المغلوطة، هو تقييم المواطن للمحتوى والمعلومات التي يتلقاها من منصات التواصل الاجتماعي، وألا يتداولها إلا بعد التحقق منها، منوها إلى أن أبرز ما رصده "تحقق" بعد زلزال تركيا وسوريا قضية التهويل بالأرقام والمعطيات، والحديث عن زلازل مستقبلية، وتزييف تصريحات ونسبها إلى مراكز زلازل محلية وعالمية.

ووجه عبد الحق نصيحة للمواطنين بضرورة أخذ المعلومة من مصدرها، وعدم تداولها دون مصدر واضح، ودون التأكد من المواقع والمصادر ووسائل الإعلام الرسمية، وعدم الاعتماد على ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي تضخ كمية كبيرة من المعلومات وغالبيتها غير صحيحة، ومتابعة منصات تدقيق المعلومات، ومراسلتها لتحقق من المعلومات، وضرورة تحفيز التفكير النقدي والشك عن الفرد، حتى يصل إلى المعلومة الصحيحة، دون الانجرار خلف الإشاعات، مشددا على دور الصحفيين، ودور المدققين في نشر ثقافة التحقق بين المواطنين.

"في أوقات الأزمات والكوارث، تكثر الإشاعات وتتنوع أشكالها بين تداول فيديوهات وصور قديمة، والتكهن والتنبؤ، وتداول تصريحات ونسبها إلى أشخاص، مثل تداول تغريدة الباحث الهولندي التي نشرها عبر تطبيق "تويتر" قبل أيام من زلزال تركيا، والادعاء بأنها جديدة وتتنبأ بحدوث زلزال، مع تحديد الساعة التي سيحصل فيها، وموقع حدوثه، وحجمه، يقول مؤسس منصة تيقن لتدقيق المعلومات أنس حواري.

ويضيف: "فيما يتعلق بزلزال تركيا، يتداول المواطنون أسماء شخصيات عامة قيل إنها قُتِلت في الزلزال، وتبين أنها أخبار مفبركة ولا أساس لها من الصحة".

ويتابع: بعد الهزة الأرضية التي ضربت فلسطين، أول أمس، وشعر بها المواطنون في عدة محافظات بينها رام الله والبيرة، ونابلس، والقدس المحتلة، تداول مواطنون صورا إحداها لأحد المحال التجارية في نابلس، تبين أنها منشورة قبل ساعات من وقوع الهزة، وتداول آخرون صورة لأهالي نابلس وهم في الشوارع، مع تعليق أنهم خرجوا بعد وقوع الهزة الأرضية، لكن فريق "تيقن" بحث في الصورة، ووجد بعض المؤشرات التي تثبت بالدليل القاطع أن هذه الصورة غير صحيحة.

ويتابع: تداول بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي خبرا، منسوب للقناة الثانية الإسرائيلية، مفاده أن فلسطين ستتعرض لزلزال قوي ومدمر لم تشهده منذ 98 عاما، فيما تبين لاحقا أن القناة الثانية أُغلِقت منذ فترة طويلة، ولم يتم نشر أي خبر باسمها.

وينوه حواري إلى أن العلم عجز إلى اللحظة عن التنبؤ بوقت حدوث الزلزال ومنطقة وقوة حدوثه، إنما يمكن رصد مؤشرات تتوقع تعرض منطقة ما لهزة أرضية، لكن الجزم بإمكانية تعرض منطقة في يوم وساعة ومكان محدد ضرب من الخيال.

وعن التأثيرات النفسية للشائعات على المواطنين، قالت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة سماح جبر: "الشائعات تثير الذعر وتقلل من المقدرة على الاستعداد والتحضير، واتباع التعليمات، وتؤثر في العافية النفسية لمن يستقبلونها، لذا تكون استجابتهم للأثر النفسي السلبي من الإشاعات كبيرة