كلّما شاهدتُ، مساء كلّ يوم سبت منذ مطلع العام الجاري، على شاشة التّلفاز، عشرات آلاف المتظاهرين في شوارع تل أبيب وحيفا والقدس، تمنّيتُ أن أكون بينهم متظاهرًا ضدّ حكومة اليمين الفاشيّ، ولكنّ عوائق موضوعيّة تحول دون مشاركتي مثل السّفر الليليّ وبرد فصل الشّتاء وسنوات العمر التي تقول لي: على رسلك!

يتظاهر هؤلاء المواطنون الشّجعان ضدّ حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريتش ونهجها العدوانيّ للدّيمقراطيّة ولجهاز القضاء، وتحويل نظام الحكم في إسرائيل إلى نظام دكتاتوريّ مقنّع بديمقراطيّة نتائج الانتخابات البرلمانيّة، زاعمًا أنّها تجيز للأكثريّة أن تفعل ما تراه وما تهواه وفق مصالحها وفكرها، وأن تبطش بحقوق الأقليّة.

يصرّ هؤلاء المتظاهرون كما الأكثريّة السّاحقة من أبناء الشّعب الاسرائيليّ على أن تبقى إسرائيل دولة ديمقراطيّة يهوديّة أو دولة يهوديّة ديمقراطيّة، وفي هذا تناقض شاسع يؤكّد ما كتبته قبل سنوات وما قاله النّائب أحمد الطّيبيّ: "إنّ إسرائيل دولة ديمقراطيّة لليهود ويهوديّة للعرب".

اعتمادا على سلوك النّعامة التي تدفن رأسها بالرّمال عند الشّدائد، وعلى تصرّف الدّجاجة التي لا ترى إلاّ ما بين قدميها، يتجاهل هؤلاء المتظاهرون استحالة الدّيمقراطيّة مع الاحتلال، فلا ديمقراطيّة في دولة تحاصر وتجوّع مليونين ونصف المليون إنسان عربيّ فلسطينيّ في قطاع غزّة، وتحتلّ القدس العربيّة والضّفة الغربيّة، وتحكم أبناء الشّعب العربيّ الفلسطينيّ بالحديد وبالنّار، وتقتل من تشاء منهم، وتأسر من تشاء منهم، وتهدم بيوت من تشاء منهم، وتسلب أراضي من تشاء منهم، بلا حساب أو محاسبة كأنّ الغندور ذنبه مغفور.

يسود الفكرُ الصّهيونيُّ الإستعلائيُّ قادةَ المظاهرات، ويسيطر عليهم الهلع من قوى اليمين إذا ما تفوّه أحد المتظاهرين بكلمة "احتلال" أو "حقوق الشّعب الفلسطينيّ"، ويبرز رعبهم إذا ما رفع متظاهر علم الشّعب الفلسطينيّ ذا الألوان الأربعة، ومن المؤكّد أنّ ما جرى في العقدين الأخيرين من تهافت عربيّ على حكّام إسرائيل والسّيّدة أميركا جعل الشّعب الإسرائيليّ يتناسى الاحتلال ولا يرى موبقاته القذرة ولا يرى في الاحتلال خسارة أو تعبا أو قلقا.

نحن "نتمتّع" بفتات الدّيمقراطيّة في دولة تعتبر وجودنا خطأ سياسيّا ارتكبه ديفيد بن غوريون، وأعترف أنّني أوافق الإخوة الذين يرون أنّ محكمة العدل العليا فيها عدل لليهود فقط، ولم تُنصف المواطن العربيّ في معظم القضايا التي لجأ فيها إليها، وعلى الرّغم من ذلك أعتقد أنّ علينا المشاركة في المظاهرات في تل أبيب وحيفا وبئر السبع والقدس كي نحافظ على نصيبنا من فتات الدّيمقراطيّة، وكي تبقى محكمة العدل العليا فزّاعة نشهرها في وجه الظالم.

بدأنا نشعر يوما بعد يوم بالممارسات الفاشيّة لحكومة الباءين، وبسعارها ضد شعبنا العربيّ الفلسطينيّ، ومن المتوقع أن يزداد طمع الفاشيّين وأن تعلو شهوتهم بالانتقام منّا ومن أبناء وبنات شعبنا العربيّ الفلسطينيّ في القدس العربيّة وفي الضّفة الغربيّة، ومن الأسرى الفلسطينيّين، وهذا يؤكّد على حاجتنا إلى حلفاء من القوى اليهوديّة في نضالنا ضدّ هذه الحكومة الفاشيّة وممارساتها الآنيّة والآتية.

يدعونا الواجب أن نشارك في هذه المظاهرات وحبّذا أن تُنظّم لجنة المتابعة والأحزاب العربيّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ مظاهرة أسبوعيّة في مدينة عربيّة مثل النّاصرة وسخنين وشفاعمرو وأم الفحم والطّيّبة وراهط.

 

المصدر: الحياة الجديدة