تقرير: يامن نوباني

تحررت الكلمة، الكلمة الحرة، شقت أسوار السجن، ومشت دون أن تنتبه الأضواء الكاشفة، والأبراج العسكرية التي تراقب كل همسة، دارت في قفل باب السجن، دون أن يوقفها السجان، الذي لا يملك أكثر من حبس الجسد، بينما تعبر الفكرة عقل المناضل في زنزانته وضيق برشه وغرفته، فيدور الحبر على الورق، ليدون أشعار الوطن والحب والآمال والحنين والمشاعر الإنسانية والفقد والفرح، وتطير فوق السقف المحصن، ومن بين الأسلاك الشائكة، إلى خارج حدود العتمة التي أرادها المحتل، فتصبح كتابا.

هكذا بدت 86 قصيدة، نُشرت في ثلاثة إصدارات شعرية في أعوام 2012، 2021، 2022. كتبها الأسير أحمد تيسير العارضة المولود في مدينة نابلس عام 1983، والمعتقل منذ عام 2004 ويقضي حكما بالسجن المؤبد ثلاث مرات، حيث أمضى منها 19 عاما. 

"حب جارف للحياة، في قصائد قادرة على ابتكار النور، كلما أعتمت الدنيا حولنا، وشاعر قادر على أن يقول بعمق وجرأة للسجان: إن الحياة تنتظرني هناك في البيت، بيت أمي، رغم حكمهم علي بالسجن ثلاثة مؤبدات". من مقدمة ابراهيم نصر الله لديوان الأسير أحمد العارضة "خليل طفيف في السفرجل" أيار 2022 الصادر عن دار الفارابي في بيروت.

في كانون الأول 2022، أرسل العارضة كلمته من سجن ريمون الصحراوي، خلال حفل إشهار ديوانه الشعري "خلل طفيف في السفرجل" في مقهى "يافا" في مدينة يافا وجاء فيها: "أراني جالسا أشارك كأيِّ حاضر بينكم. لاذَ من ضجيج الحياة بالشعر. ذلك أصعب ما يمكن لي فعله على الإطلاق، لسبب وحيد وبسيط. هو أنني لم أعتد بعد على فكرة العودة إلى زنزانتي بعد انتهاء كل أمسية وحفل أو ندوة تُعقد من أجل شعري".

وأضاف: "اقترحت على الصديق حسن عبادي أن يكون مكان حفل إطلاق الكتاب هو (يافا) مسقط قلبي، وقِبلة كل عباداتي. ذلك يدفعُ للخوفِ والإرباك قليلا. فيافا ليس كمثلها شيء. لا لأنني أكتبها دوما كبسملةٍ وحيدة. وليس لأنني أنتمي إليها وأنتهي إليها، أو لأن عظام أجدادي تختلط بترابها، إنما لأنها يافا وحسب. يافا التي رأيتها في المنام تبكي عليّ وأنا أجذبُ ذيل فستانها راجيا إياها بالعودة إلي. وتبين لي حين صحوتُ بأنني أنا من هاجرها. وهي التي بقيت كما هي".

كما جاء في إهداء الديوان الشعري: إلى التي حزمت نصف أمنياتها وانسلت إلى عتمتي عبر شرايين الهواتف المهربة المتخثرة أنينا.. معلنة موتنا.. من جديد

سفرجلتي البرية المفعمة بالغياب.. وإليك ريم.. عرابة حلمي الصغير. أحمد 2009.

ومن كلمات الديوان:

"تجثو كلمات فوق غبار اللحظة

تجثو كلمات أخرى عند تخوم اليومي

تعيد إلى الأذهان روائح شتى

للخط الأخضر في خارطة سيئة الصنع

للبحر ويافا

لليمون بليل القرية والبلوط

للنورس في جنات جليل أعلى

لدخان التبغ بنزانة موتى

ولمجدل شمس عربية"

وفي نيسان 2021 أصدر الأسير العارضة، إصداره الثاني، وهو مجموعة شعرية بعنوان "أنانهم"، عن دار طباق للنشر والتوزيع في رام الله.

واحتوت المجموعة ما يزيد على عشرين قصيدة في ثلاثة فصول شعرية تحت عناوين (أنا، ن، هم)، وتقع المجموعة الشعرية التي صمم لها الغلاف الفنان أيمن حرب في ١١٧ صفحة من القطع المتوسط. ومن إحدى قصائده:

"ويسخر من ناقلات الجنود

وقد مرَّ بالتين قبلاً، وباللوز بعداً

وحيا الحجارة:

كوني سلاماً علينا

وناراً عليهم"

...

وفي أخرى يقول: أنا نصف البلاد..

 

أما ديوانه الشعري الأول الذي حمل اسم "وشم على ذاكرة العدم"، فقد صدر في تشرين الثاني 2012، واحتوى على 37 قصيدة.