جعفر صدقة

يشكل القرار الأخير لوزير المالية الإسرائيلية يتسلئيل سموتريتش، الاستيلاء على 139 مليون شيقل من عائدات الضرائب الفلسطينية "المقاصة"، آخر حلقة في عملية سطو إسرائيلية مستمرة منذ سنوات طويلة على الأموال الفلسطينية.

ولا يبدو أن عملية السرقة هذه ستكون الأخيرة في ظل صمت الجتمع الدولي على اجراءات حكومات تل أبيب المتعاقبة، وآخرها حكومة بنيامين نتنياهو الموصوفة بالأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال.

الحلقة الأولى من هذه الاقتطاعات بدأت مبكرا بعد قيام السلطة الوطنية بقليل، فبقرار أحادي ودون مراجعة أو موافقة السلطة الوطنية وخلافا للاتفاقات الموقعة، دأبت حكومة الاحتلال على اقتطاع مبالغ من المقاصة وتحويلها لمؤسسات تقدم خدمات لفلسطينيين، كالكهرباء والصحة والمياه والصرف الصحي.

وتتفاوت المبالغ المقتطعة تحت هذا البند من شهر لآخر، لكنها في المحصلة تراكمت لتصل مليارات الدولارات، وبلغ مجموعها نحو 11 مليار دولار في عشر سنوات بين عامي 2011 و2021.

وفي عام 2022 وحده، بلغ اجمالي الاقتطاعات الإسرائيلية الإحادية من عائدات الضرائب الفلسطينية، بدلا لهذه الخدمات، 1.6 مليار شيقل (حوالي 450 مليون دولار).

وفي عام 2019، بدأت حلقة جديدة للاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة الفلسطينية، بخصم حوالي 50 مليون شيقل شهريا، توازي ما تقول إسرائيل إنها مخصصات تدفعها السلطة الوطنية، على شكل رواتب، لعوائل الشهداء والأسرى والجرحى.

وبحسب رئيس الوزراء محمد اشتية، فإن إجمالي المبالغ المقتطعة، المتراكمة تحت هذا البند منذ بداية 2019 حتى نهاية 2022، بلغ حوالي ملياري شيقل (أكثر من 570 مليون دولار بسعر الصرف اليوم).

حتى اللحظة، تحتفظ إسرائيل بهذه المبالغ بحساب فرعي لدى وزارة المالية، ولم تتصرف بها، لكن في حيثيات قرار سموتريتش، سيتم الاستيلاء على 139 مليون شيقل (حوالي 40 مليون دولار) من عائدات المقاصة الفلسطينية بشكل فوري، وتحويلها كتعويضات لعائلات قتل أفراد منها في عمليات فلسطينية، كما تدعي حكومة نتنياهو.

وتدعي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، إن هذا المبلغ يوازي مدفوعات السلطة الوطنية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى خلال عام 2022.

الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة لا تقف عند هذين النوعين من الاقتطاعات (بدل الخدمات وما تقول إنه يوازي مخصصات الشهداء والجرحى والأسرى)، إذ تقتطع إسرائيل 3% من عائدات المقاصة الشهرية كعمولة جباية لصالح السلطة، وهو مبلغ كان قليلا (بضعة ملايين) في السنوات الاولى لقيام السلطة، لكنه تضاعف عشرات المرات حتى الآن، وبات يتجاوز 350 مليون شيقل (حوالي 100 مليون دولار) سنويا، وهو مبلغ يغطي، ويزيد بكثير، عن مجموع رواتب جميع موظفي وزارة المالية الإسرائيلية، رغم أن عدد الموظفين الذين يعملون على جباية المقاصة الفلسطينية لا يتجاوز أربعة موظفين، في وقت اضطرت الحكومة الفلسطينية إلى خصم جزء من رواتب موظفيها تحت ضغط هذه الاقتطاعات، منذ شهر تشرين الثاني 2021 حتى الآن.

يضاف إلى ذلك، نهب إسرائيل للمستحقات الفلسطينية من الزيادات المتعاقبة التي اجرتها إسرائيل على رسوم المغادرة عبر الجسر، بشكل أحادي ودون مراجعة وموافقة السلطة الوطنية، والتي تقول الحكومة الفلسطينية إنها تجاوزت مليار شيقل (أكثر من 280 مليون دولار).

هذه الاقتطاعات والفروقات جزء من ثمانية ملفات مالية عالقة بين السلطة الوطنية وإسرائيل، كالضرائب التي تحصلها الحكومة الإسرائيلية من المناطق (ج)، وفروقات أسعار الخدمات، وابرزها الكهرباء، واستغلال الموارد الفلسطينية.

في المحصلة، وقف عملية النهب الإسرائيلية المتواصلة، والمضطردة، للأموال الفلسطينية، تقول الحكومة الفلسطينية إنها توفر نحو 800 مليون دولار سنويا، وهي كفيلة بإغلاق العجز المزمن في الموازنة الفلسطينية، والاستغناء عن الدعم الخارجي للموازنة، وتوجيهه كاملا نحو المشاريع التنموية وتحسين الاقتصاد، وبالتالي تحسين الإيرادات من الجباية المحلية، لكن استمرارها، وتوسعها بالوتيرة التي حصلت خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، يعكس إرادة إسرائيلية لدفع السلطة نحو الانهيار