كنت أقرأ مذكرات المناضل القومي السوري العربي، صياح النوباني بعنوان "من الثورة السورية الكبرى إلى الاستقلال"، وهو المساعد المقرب من قائد الثورة سلطان باشا الأطرش، وهو من عائلة مجاهدة أباً عن جد، وعائلته من بني معروف، ونفي من مدينته السويداء إلى النبك مع القائد سلطان، واعتقل وواصل الكفاح مع قيادته وأقرانه من القوميين العرب إلى أن حصلت سوريا على الاستقلال السياسي عن المستعمرين الفرنسيين، عندما سمعت ما حصل مع جثمان الشاب المغفور له تيران فرو ابن قرية دالية الكرمل في جنين.

وتريثت قبل أن أخط كلمة واحدة عن الحدث. لا سيما أننا أبناء شعب واحد أياً كانت الأخطاء والنواقص والهنات، وحتى الخطايا التي تواجهها القيادة والشعب على حد سواء. إذن أياً كانت الأخطاء والخطايا التي وقع بها البعض في أعقاب نكبة عام 1948 من إخواننا من بني معروف بتعاونهم مع سلطات الاستعمار الإسرائيلي، بيد أن الغالبية الساحقة بقيت محافظة على موروثها الكفاحي، ورسخت انتماءها لقضية شعبها وأمتها العربية، وما زالوا وسيبقون عنوانًا من عناوين النضال الوطني والقومي. وكل يوم يكتشف أبناء الشعب في دالية الكرمل وعسفيا وجولس والبقيعة وبيت جن، وعين حوض، وشفا عمرو، والمغار والرامة ويركا.. إلخ الـ18 مدينة وقرية القائمة في الجليل، عنصرية ووحشية العدو الإسرائيلي، ولعل ما لمسوه من إقرار الكنيست لقانون "أساس القومية للدولة اليهودية" العنصري، وما واجهه أبناؤهم في معسكرات جيش الموت الإسرائيلي من تمييز وعدوان وحشي ضدهم، وضد هويتهم الفلسطينية العربية، أقنعهم، أو على الأقل جعل غالبيتهم يراجعون أنفسهم تجاه دولة التطهير العرقي الصهيونية.

ولمن لا يعرف، فإن المعروفيين هم من العرب الأقحاح، ولديهم باع طويل في النضال الوطني والقومي، ولا يستطيع أحد أن ينسى شيخ المجاهدين سلطان باشا الأطرش، ولا قائد الحركة الوطنية اللبنانية، كمال جنبلاط، وشاعرنا وحبيبنا الكبير المغفور له سميح القاسم، والراحل الكبير الكاتب سليمان الناطور، والمناضل الشيوعي محمد نفاع والقومي سعيد نفاع وغيرهم  العشرات والمئات، لا بل آلاف من أبناء شعبنا في فلسطين وسوريا ولبنان والأردن من أتباع المذهب الدرزي من المناضلين، ولا يتسع هنا المقام لإدراج أسمائهم، وكان من بينهم أول من رفض التجنيد في جيش الحرب والجريمة المنظمة الإسرائيلي.

ما أردت أن أدونه هنا، أن السمة العامة لأبناء شعبنا من المعروفيين، هم مناضلون مخلصون لقضية شعبهم، وتورط البعض منهم مع أجهزة دولة المشروع الصهيوني، لا ينتقص من وطنيتهم وعروبتهم. وأيضًا يعلم أبناء شعبنا من أتباع المذهب الدرزي، أن ما عانى ويعاني منه أبناء الشعب الواقعون تحت نير الاستعمار الصهيوني في الأراضي المحتلة عام 1967 من قتل واعتقال وتخريب واجتياحات وحروب واستيطان استعماري وحشي وعنصري وفاشي يفوق الوصف، وبعضهم شارك ويشارك في حملات الجيش المجرم على المدن والمخيمات والقرى والخرب الفلسطينية، ورأوا بأم العين همجية غير مسبوقة، والقتل على الهوية، كما رأوا وشاهدوا ما يجري مع المعتقلين في باستيلات العدو اللاإنسانية. وبالتالي حدوث أي فعل من قبل الشباب المناضل والمقاوم للدفاع عن الذات الوطنية يصبح مفهومًا، وإن كان قاسيًا، لكنه لم يتم عن سوء نية، ولا عن قصدية، إنما ناتج عن نقص المعلومة، أو سوء تقدير، وجميعنا ممكن أن نقع في هذا الخطأ أو ذاك. ولا نناقش هنا، إن كان الخطأ مبررًا أم غير مبرر، إنما نتحدث عن الخلفيات التي دفعت المناضلين لاتخاذ إجراء ما غير موفق، كما تم احتجاز جثمان الراحل تيران فرو، انطلاقًا من فرضية، أنه من منتسبي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي يمكن المقايضة مع الجيش لإطلاق سراح جثامين بعض الشهداء المعتقلة في مقابر الأرقام.

في مطلق الأحوال، ما حدث لا يجوز أن يعطى أكثر مما يستحق، وتفرض الضرورة أن يوضع في سياقه الطبيعي، دون ردود أفعال، كما حصل مع ثلاثة من شباب الخليل من احتجاز، والتعرض لخمسة شباب آخرين في الجليل من أبناء جلدتنا الواحدة للضرب والإهانة بردود فعل عصبية ضيقة؛ لأن هذه الردود تتناقض مع الروح الوطنية الواحدة، والمستفيد منها هو العدو الصهيوني، وهو الذي غذاها، وما زال يغذيها وفق مبدأ "فرق تسد" لتمزيق وحدة ونسيج الشعب الفلسطيني.

جميعنا مطالب بالانتصار للذات الوطنية. كما حصل مع إعادة جثمان الشاب المغفور له تيرو، وكما يجب أن يحصل في حال حدوث أي خطأ أو هنة من هذا القبيل. كنا شعبًا واحدًا، وما زلنا شعبا واحدًا، وسنبقى شعبًا واحدًا رغمًا عن إسرائيل وأميركا وكل أدواتهم، ومصيرنا واحد، ومستقبلنا واحد. تراصوا ورصوا صفوفكم خلف راية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية حتى تحقيق أهدافنا السامية على كل الصعد والمستويات.

 

المصدر: الحياة الجديدة