تقرير - إيهاب الريماوي

مساء السبت الخامس من تشرين ثاني/ نوفمبر الجاري وصلت عائلة دمر الزبن منزلها في قرية المزرعة الشرقية شرق رام الله، بعد يوم طويل وشاق في قطف الزيتون في أرضها الواقعة في منطقة "عيون الحرمية" قرب بلدة سنجل، وبمحاذاة الشارع الاستيطاني المسمى شارع "60" الذي يقسم أرضهم نصفين.

تكتشف العائلة أن "ماكينة" قطف الزيتون غير موجودة معها، يبدو أنها سقطت في طريق عودتها. يتبرع الابن الأصغر في العائلة نيشان (16 عاماً) للعودة والبحث عنها، ويتصل بابن عمته مصعب لمرافقته في عملية البحث.

كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً لما ذهب نيشان ومصعب نحو الأرض، ووصلوا هناك قرابة الثامنة، لكنهم لم يفلحوا بالعثور على الماكينة، وقرروا العودة إلى القرية.

وعلى بعد أقل من عشرين متراً من الشارع الاستيطاني تفاجئا بعدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي بين أشجار الزيتون، لا يبعدان عنهما سوى عدة أمتار.

انبطحا على الأرض فوراً، وحينها أطلق الاحتلال قنبلة صوت تجاههم ثم هاجموهم، وأطلقوا الرصاص الحي عليهما بينما كانا منبطحين، أصيب مصعب بثلاث رصاصات في ظهره اخترقت قلبه مباشرة، ورصاصة رابعة في منطقة الحوض، فيما أصيب نيشان برصاصة اخترقت جانبه الأيمن قرب منطقة الصدر، واخترقت رئتيه وشريانا رئيسيا، وأصابت رصاصتان قدميه.

"نطقنا الشهادتين سوياً، قبل أن يطلق الرصاص علينا، أدركنا أنها النهاية، فنحن لوحدنا وفي ليلة مظلمة، وبين جنود مدججين بالسلاح، لا يمكن أن نخرج أحياء"، يقول الجريح نيشان الزبن الذي أفرج عنه ليلة أمس بكفالة مالية من سجن "عوفر"، ووصل مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله لاستكمال العلاج.

بعد أن أطلق الرصاص عليهما، تفحصهما أحد الجنود، كان مصعب قد فارق الحياة، وانتقل إلى نيشان الذي كان ما زال في وعيه.

سحب الجنود نيشان بعيداً عن مصعب، وألقوا به إلى جانب الطريق ومزقوا ثيابه، قبل أن يحملوه إلى سيارة إسعاف عسكرية، وصلت به إلى مستشفى "شعاري تسيدك" بمدينة القدس.

وصل المستشفى بحالة خطيرة في ساعة متأخرة من ليل السبت، ونزف دما بكميات كبيرة حيث فقد نحو عشرين وحدة دم، وكان يعاني من نزيف داخلي حاد ما أدخله في غيبوبة استمرت حتى مساء يوم الاثنين السابع من تشرين ثاني الجاري.

"لما أفقت من غيبوبتي كنت مكبل اليدين بسرير المستشفى، وجنديان بجانبي، لم أكن أعرف ما حل بمصعب، حتى جاء صباح الثلاثاء عرفت من خلال والدي الذي تمكن من الاتصال بي من خلال محامي نادي الأسير، أنه استشهد"، يضيف نيشان.

تعرض نيشان للتحقيق لساعات طويلة داخل غرفته بالمستشفى، رغم أنه كان في حالة صحية حرجة تمنعه من القدرة على التحدث.

ثم نقل نيشان إلى سجن "عوفر" بعد ثمانية أيام من مكوثه في المستشفى، وقبع في قسم 13 قبل أن يفرج عنه بكفالة مالية قدرها 2000 شيقل في ساعة متأخرة من الليلة الماضية.

 

مكان إصابة الجريح زبن. (تصوير تامر بانا/وفا)

ترك نيشان الابن الأصغر في عائلته المكون من خمسة أخوة (صيدم، ومحمد، وأحمد، وعبادة) الدراسة العام الماضي، وذهب للعمل مع والده في مجال البناء، أما صديقه الشهيد مصعب فكان يعمل مكيانيكا، وأنهى الثانوية العامة الصناعية.

يقول والده دمر (56 عاماً) الذي أصيب في الانتفاضة الأولى واعتقل عدة مرات خلالها وخلال انتفاضة الأقصى، إن العائلة قدمت على مدار سنوات طويلة عددا من الشهداء والجرحى، فجده حسن عمر الزبن استشهد في فترة الانتداب البريطاني عام 1917، وعمه حسين رشيد الزبن استشهد عام 1936، وشقيقه وليد الزبن استشهد خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، وابن شقيقه مأمون محيي الدين الزبن استشهد عام 2002، في ذات المكان الذي استشهد فيه مصعب.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية زعمت عقب الجريمة أنّ إطلاق النار على الشابين الزبن جاء "نتيجة لكمين نصبه جيش الاحتلال، ضد ملقي حجارة"، وهو ما فندته شهادة الجريح نيشان.

ووفق نادي الأسير فإن رواية الاحتلال لتبرير الجريمة لا يمكن الوثوق بها، خاصة أنه هو من يملك المعلومة الوحيدة في تلك الحادثة، كما حدث في جريمة إعدام الشابين خالد عنبر الدباس وسلامة رأفت شرايعة وإصابة باسل البصبوص مطلع شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي قرب مخيم الجلزون، بحجة محاولتهم تنفيذ عملية دهس، ولاحقاً أفرج عن البصبوص، بعد أن تبين أنه لم تكن هناك محاولة دهس من الأساس.