صوتت اللجنة الرابعة المتخصصة بإنهاء الاستعمار للجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة الماضي الموافق 11 من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي بعد جلسة صاخبة تضمنت تهديدا ووعيدا، والتلويح بالعصا الصهيوأميركية الغليظة في وجه الدول التي ستصوت لصالح القرار الفلسطيني لتحديد تبعات وطبيعة الاستعمار الإسرائيلي للأرض العربية الفلسطينية. لا سيما أن هناك مسودة قرار تم تقديمها للجمعية العامة للأمم المتحدة، مطلوب الإجابة عليها الشهر القادم كانون الأول/ ديسمبر، ومحتواها (المسودة) التوجه لمحكمة العدل الدولية للإجابة على سؤالين: الأول ما هي التبعات القانونية لانتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الفلسطينيين بتقرير المصير، واحتلالها الطويل، واستيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية وسياساتها التمييزية؟ والثاني كيف تؤثر تلك السياسات على الوضع القانوني للاحتلال الإسرائيلي، وما هي التبعات القانونية لذلك على كل الدول وعلى الأمم المتحدة؟ وكانت الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية والعديد من الدول مارست الضغوط الهائلة على الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية لمنعها من المضي في خيارها بانتزاع قرار أممي من اللجنة الرابعة للتوجه لمحكمة العدل الدولية لما ورد أعلاه. لكنها فشلت في ثني قيادة منظمة التحرير في ممارسة حقها، وانتزاع قرار ورأي استشاري له ما بعده من تبعات واستحقاقات على مستويين، مستوى الدول كل على انفراد، ومستوى الهيئة الدولية الأولى.

ورغم كل الضغوط التي مورست، جاءت النتيجة الهامة بتصويت 98 دولة مع القرار، و17 دولة على رأسها أميركا وإسرائيل المارقة وكندا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول ضد القرار، و52 دولة ممتنعة عن التصويت، أو متحفظة. ويعتبر التصويت بالأغلبية الأممية المذكورة أعلاه هاما، وشكلا من أشكال التضامن الأممي مع كفاح وحرية الشعب الفلسطيني، وإسنادا لحقوقه الوطنية، ورفضا لاستمرار الاستعمار الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، ورفضا لجرائم حربها. لا سيما أن الـ52 دولة المتحفظة، هي بتعبير آخر مؤيدة، لكنها أرغمت على اتخاذ موقف المتحفظ بسبب الضغوط وإرهاب القطب الأميركي عليها.

وجاءت ردة الفعل الإسرائيلية المجنونة والموتورة والمتعجرفة من مستوياتها المختلفة، خاصة من سفيرها ومندوبها في الأمم المتحدة، أردان، الذي قال، في حال وافقت عليه (القرار) الدول سوف "يمثل تدميرا ساما، وهو طعنة في قلب كل أمل بإحراز تقدم".، لا أفهم عن أي إحراز يتحدث الصهيوني البشع؟ هل هناك مفاوضات غير مرئية مثلا، والعالم لا يعرف بها؟ وهل هناك شريك إسرائيلي مستعد لصناعة السلام؟ ويتابع مرعوبا وأركان حكومته من التوجه لمحكمة العدل الدولية، فيقول: إن إشراك محكمة العدل الدولية يشير لاستغلال الفلسطينيين للمحكمة في حربهم الجهادية ضد إسرائيل". وأضاف قالبا للحقائق، ومتهما للدول بشكل فاجر كونها تؤيد السلام، ومحملا إياها تبعات ما سينجم عن دعم القرار، فقال "أي دولة تختار دعم هذا القرار تكون اختارت قتل إسرائيل". وتجاهل هذا الصهيوني المتطرف، أن استمراء دولته الاستعمارية لخيار الاستيطان الاستعماري، والتهويد والمصادرة والتطهير العرقي والقتل والاعتقال وتدمير مصالح وحقوق الشعب  الفلسطيني الخاصة والعامة، هو الذي سيقتل السلام والتعايش والتسامح، وهو وليس التصويت لصالح القرار، الذي يولد ويعمق دوامة إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، وصعود الفاشية.

ويتابع أردان الصهيوني المتطرف تهديده المبطن للدول، وباستعلاء وتنمر عليها، فقال "لا تقولوا إننا لم نحذركم". وتابع يكذب بصفاقة مفضوحة "التدابير الأحادية الفلسطينية ستقابلها تدابير أحادية من طرفنا، وسوف تتذكرون". وكأن الانتهاكات الإسرائيلية الإجرامية توقفت يوما أو لحظة من الزمن منذ وجدت أول مستعمرة في فلسطين. لكن هذه هي دولة العار اللقيطة الإسرائيلية، التي قامت على الأكاذيب والتزوير والأساطير، فلا يتورع أي مسؤول فيها عن التلفيق والادعاء، وقلب الحقائق.

المهم، يعتبر التصويت في اللجنة الرابعة صعودًا فلسطينيًا مجددًا لمحكمة العدل الدولية، لتعطي رأيًا استشاريًا بشأن طبيعة وكيفية التعاطي مع الاستعمار الإسرائيلي الإجرامي أمميًا، وعلى مستوى الدول. وتكمن أهمية القرار الأممي، ورأي المحكمة الأممية، في أنه يسقط مرة أخرى ادعاءات دولة الإرهاب المنظم، بأن الأرض الفلسطينية المحتلة محل نزاع بين الطرفين. وكأن للمستعمرين الصهاينة حق فيها، ومختلف عليه مع الشعب الفلسطيني الأصلاني صاحب ومالك فلسطين التاريخية مليمترًا مليمترًا، ومع ذلك القبول بالتسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية، لا يسقط الحق الفلسطيني التاريخي بأرض وطنه الأم، ولا بروايته التاريخية. بيد أن السلام المقبول، والممكن والمنسجم مع قرارات الشرعية الدولية تطلب من القيادة الفلسطينية الذهاب لخيار المساومة، ووقف دوامة الإرهاب والحرب والجريمة الإسرائيلية المنظمة، وإعلاء راية السلام والتعايش والتسامح.

كما أن القرار الأممي، وما سيصدر عن المحكمة سيمنح قيادة منظمة التحرير مطالبة دول العالم كافة والهيئة الأممية الأولى بالالتزام باستحقاقات تلك المشورة للإسراع بإنهاء الاستعمار الإسرائيلي، واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية وسياسية ودبلوماسية لفرض العقوبات على إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، لإلزامها باستحقاقات السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم الأم، الذي طردوا منه.